ميزان الشعر: مفاتيح إتقان علم العروض والتحقق من سلامة الأبيات.

ميزان الشعر: مفاتيح إتقان علم العروض والتحقق من سلامة الأبيات.

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

ميزان الشعر: مفاتيح إتقان علم العروض والتحقق من سلامة الأبيات

image about ميزان الشعر: مفاتيح إتقان علم العروض والتحقق من سلامة الأبيات.

الشعر فن بديع ينبيء بأسلوب عذب رقيق عما يجيش في داخل النفس البشرية من عواطف ومشاعر، ويعبر عما يدور في العقل الإنساني من أفكار وخواطر، وذلك لما له من سحر خاص خلاب بأسر النفس، وجاذبية رشيقة تأخذ بالقلوب والألباب، فهو يتميز على غيره من الفنون والألوان الأدبية الأخرى بخاصية هي له وحده، وهي موسيقاه الغزيرة والمتنوعة، المتمثلة في أوزانه وقوافيه، وتلك الخاصية جعلته أرقى فنون الأدب عامة، وأبلغها في ترجمة الخواطر والأفكار الباطنة، وإظهار العواطف الإنسانية الكامنة في صور تعبيرية جميلة ذات خيال ورونق وبهاء، وتأثير وإيحاء يضمن لها الشيوع والخلود والبقاء، بما يثير المشاعر، ويهز النفس، ويشبع الروح، ويمتع الوجدان، وتلك الموسيقى جعلت الشعر أيضاً بعيد المأخذ، صعب المنال، عَصِيَّا على غير الموهوبين، متمرداً على غير المطبوعين، لأنه يصدر عن ملكة أصيلة، وقريحة متقدة، وطبع مُواتٍ، وموهبة متفتحة تحمل السامع على مشاركة الشاعر فيما يعتمل في صدره، ويشع في نفسه ووجدانه.

فالموسيقى أهم عناصر هذا الفن الرفيع، فلا شعر بلا موسيقى بل إن الشعر موسيقى ذات أفكار ، يقول صدقي الزهاوي:

إذا الشِّعْرُ لمْ يَهْزُزْكَ عندَ سَماعِهِ *** فليسَ جديراً أنْ يُقالَ لهُ شِعْرُ

وقد اهتم بدراسة موسيقى الشعر علم العروض الذي وضعه الخليل ابن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ).

والعروض يستعمل في اللغة لمعان كثيرة، فهو يطلق على مكة المكرمة، والطريق الصعبة، والناقة غير الذلول، والخشبة  المعترضة وسط البيت وغيرها.

أما في اصطلاح العروضيين:

فيقصد به ذلك العلم الذي يعرف به أوزان الشعر العربي وما يعتريها من تغيير، فالعروض ميزان الشعر، وبها يعرف صحيحه من سقيمه.

أهمية دراسة علمي العروض والقافية:

لا غنى لكل متأدب بأدب العربية من دراسة علمي العروض والقافية والإحاطةبهما حتى لذي الطبع المواتي، والموهبة الفطرية المتفتحة، والذوق الرفيع، والأذن المرهفة المميزة، وذلك لأهميتهما البالغة التي نوجزها فيما يلي:

1-     أن بعض القوالب الموسيقية أي البحور الشعرية شديدة التقارب حتى إن الشاعر ليخرج من غير وعي من بحر إلى بحر، فيخلط في قصيدته بهذا الخروج بين أكثر من بحر، فيتغير الوزن والإيقاع الشعري، فتشعر أذن السامع بالانتقال ا لمفاجئ من نغمة إلى أخرى، ويقع في هذا الخلط كثير من الشعراء الكبار والصغار على السواء. وتعلم العروض واتخاذه ميزانا لما ينظمون يعصمهم من التورط في هذا الخلط ، ويساعد الدارسين على قراءة الشعر قراءة صحيحة وتصحيح ما يقابلهم من أبيات شعرية مكسورة الوزن غير صحيحة.

2-  أن الطبع المواتى كما يخون في الوزن الشعري قد يخون في القافية أيضاً، ومن ذلك أن النابغة قد وقع في خطأ  القافية المسمى بالإقواء في قوله:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه  ***  فتناولته واتقتنا باليدِ

بمخضب رخص البنان كأنه                 *** عنم يكاد من اللطافة يعقدُ

فهذا عيب ظاهر من عيوب القافية، وقع فيه فحل من فحول الجاهلية من ذوي الفطرة والخبرة، فكيف بمن دونه من الشعراء ؟!! فلا عاصم للشعراء من الوقوع في مثل ذلك العيب إلا بتعلم أصول القافية.

3-أن كثيراً من التراث الأدبي لا يفهم إلا إذا كان القارئ ملماً باصطلاحات علمي العروض والقافية، كقول الشاعر:

يا كاملاً شوقي إليه وافر    ***  وبسيط وجدى في هوه عزيز

عاملت أسبابي إليك بقطعها  *** والقطع في الأسباب ليس يجوز

وقول أبي العلاء المعرى:

بعدى عن الناس خير من لقائهمُ  ***  فقربهم بالحجى والدين ازراء

كالبيت أفرد لا إبطاء يدخله    ***  ولا سناد ولا بالبيت إقواء

وقول جندل الطهوي حين مدح شعره:

ولم أقْوِ فيهن ولم أساند

فمن ذا الذي يحسن فهم ذلك الشعر وهو لا يدري معاني تلك المصطلحات التي ذكرت فيه من العروض والقافية ؟!

4-   أن الممارسة الطويلة لعلم العروض تعين أصحاب المواهب الشعرية على إظهار مواهبهم الخفية، وتفتح مغاليق الفطرة الشاعرة الموهوبة وتساعد على صقلها وتهذيبها.

5-  أن القارئ في كتب اللغة والنحو والصرف كثيرا ما يطالععه أن البيت ضرورة شعرية أو أن الشاعر خرج على قواعد اللغة المألوفة، ومن ثم تظهر أهمية دراسة علم العروض لمعرفة هذه الضرورة، وبيان العلة التي اضطرت الشاعر إلى ارتكاب هذه المخالفة.

ومن هذه المخالفات أو ضرورات الشعر:

أ-قصر الممدود، كقول الشاعر:

لا بد من صنعا وإن طال السفر *** وإن تجنى كل عود ودبر

فالأصل صنعاء .

ب-حذف (أنْ) المصدرية الناصبة، كقول طرفة بن العبد:

ألا أبهذا الزاجري احضر الوغى *** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى

ج- تنوين الممنوع من الصرف، كقول امرئ القيس:

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ  *** فقالت لك الويلات إنك مرجلى

فتنوين (عنيزة) ضرورة شعرية.

د-تنوين المنادى العلم المفرد المبنى، كقول الشاعر:

سلام الله يا مطرٌ عليها *** وليس عليك يا مطرُ السلام

فتنوين (مطر) في الشطر الأول ضرورة شعرية.

هـ - دخول لام الابتداء على خبر المبتدأ، كقول رؤبة:

أم الحليس لعجوز شهرية *** ترضى من اللحم بعظم الرقبة.

فقد دخلت اللام على (عجوز) وهو خبر المبتدأ للضرورة الشعرية.

ومعرفة ضرائر الشعر منوط به علم العروض، فلا بد من دراسته والإلمام به؛ إذ إن معرفة الأوزان الشعرية تساعدنا على التعرف على هذه الضرورات وتعين الشاعر على معرفة ما يجوز له وما لا يجوز، وبذلك يأمن اختلاط الأوزان، ويستقيم نظم شعره وزناً وقافية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

938

متابعهم

617

متابعهم

6673

مقالات مشابة
-