
الشاعر عمر بن أبي ربيعة ووصف المرأة
الشاعر عمر بن أبي ربيعة ووصف المرأة
أولا: الشاعر
ولد الشاعر المعروف عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة، بمكة سنة 23 للهجرة لأب قرشي، وأم يمنية تسمى مجداً، ونشأ في بيت واسع الثراء، فجمع بين أسباب الترف واللهو ونعم بالحياة الهادئة البعيدة عن السياسة ومتاعبها.
كرس حياته للغزل الصريح، فاجتمع إليه المغنون والمغنيات من أهل مكة مثل ابن سريج وابن مسجع والغريض يغنون شعره، ويشاركهم فيه العديد من المغنين، فخلف لنا ديواناً ضخما.
ولقد برز عمر في فن الغزل حتى عد بحق زعيم الغزل في الأدب العربي كله وقد وصف في غزله ما يقع عليه نظره من المرأة:
إني رأيتكِ غادةً خُمصانةً *** رييا الروادف لذبة مبشارا
محطوطة المتنين أكمل خلقها *** مثل السبيكة بضة معطارا
كالشمس تعجب من رأى ويزينها *** حسب أغر إذا تريد فخارا

وشعر عمر بن أبي ربيعة في وصف المرأة لا يقف عند ذكر محاسنها الخارجية فحسب ، بل يمتد إلى تصويرر أهوائها وعواطفها، والتنبيه لحركاتها، وإدراك نفسيتها. وما يثير قلبها من مشاعر.
وقد تميز غزله بالحوار القصصي، فله قصائد تلمح فيها الهيكل القصصي بصورة واضحة المعالم، بما يشتمل عليه من حوار وأحداث، وبينما يعمد أحياناً إلى وصف تنافس المحبوبات في حبه، نراه أحيانا أخرى يعمد إلى تصوير إقتحامه لليل والأهوال ، واجتيازه للحراس، ليرسم لنا ما وقع له مع محبوبته فيقول في قصيدته (أمن آل نعم أنت غاد فمبكر):
فحييت إذ فاجأتها فتولهت *** وكادت بمخفوض التحية تجهرُ
وقالت وعضت بالبنان: فضحتنى *** وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر
أريتك إذا هنا عليك ألم تخفف *** - وُقيت- وحولي من عدوك حُضّرُ
فوالله ما أدري أتعجيل حاجة *** سرت بك أم قد نام من كنت تحذر؟
فقلت لها" بل قادني الشوق والهوى *** إليك وما ععين من الناس تنظرُ"
فقالت وقد لانت وأفرخ روعُها *** كلاك بحفظ ربك المتكبر
فأنت أبا الخطاب غير مدافع *** علي أميرر، ما مكثت مؤمرُ
ويبدو في هذه الأبيات الحوار الدقيق في لقاء المعشوقة.
وكان لا يثبت على صحبته لامرأة، لذا كانت النساء كثيرا ما يتألمن لتنقله من واحدة لأخرى مع إعجابهن به، وميلهن إلى شعره، وقد أثر ذلك في فنه، فأخذ يباهي بنفسه، ويتغنى بتهافت النساء عليه وطلبهن له.
وعمر بن أبي ربيعة وإن كان صريحاً في غزله، إلا أنها صراحة لا تنتهي إلى حد الفاحش البذيء من القول. وقد مات عمرعن عمر يناهز السبعين.
ثانيا: القصيدة:
آذَنَت هِندٌ بِبَينٍ مُبتَكِر *** وَحَذِرتُ البَينَ مِنها، فَاِستَمَر
أَرسَلَت هِندٌ إِلَينا ناصِحاً *** بَينَنا إيتِ حَبيباً قَد حَضَر
فَاِعلَمَن أَنَّ مُحِبّاً زائِرٌ، *** حينَ تَخفى العَينُ عَنهُ وَالبَصَر
قُلتُ أَهلاً بِكُمُ مِن زائِرٍ *** أَورَثَ القَلبَ عَناءً وَذِكَر
فَتَأَهَّبتُ لَها مِن خِفيَةٍ *** حينَ مالَ اللَيلُ وَاِجتَنَّ القَمَر
بَينَما أَنظُرُها في مَجلِسٍ *** إِذ رَماني اللَيلُ مِنها بِسَكَر
لَم يَرُعني بَعدَ أَخذي هَجعَةً *** غَيرُ ريحِ المِسكِ مِنها وَالقُطُر
قُلتُ مَن هَذا ؟ فَقالَت هَكَذا *** أَنا مَن جَشَّمتَهُ طولَ السَهَر
ما أَنا وَالحُبُّ قَد أَبلَغَني *** كانَ هَذا بِقَضاءٍ وَقَدَر
لَيتَ أَنّي لَم أَكُن عُلِّقتُكُم *** كُلَّ يَومٍ أَنا مِنكُم في عِبَر
كُلَّما توعِدُني تُخلِفُني *** ثُمَّ تَأتي حينَ تَأتي بِعُذُر
سَخِنَت عَيني، لَئِن عُدتَ لَها *** لَتَمُدَّنَّ بِحَبلٍ مُنبَتِر
عَمرَكَ اللَهُ، أَما تَرحَمُني *** أَم لَنا قَلبُكَ أَقسى مِن حَجَر؟
قُلتُ لَمّا فَرِغَت مِن قَولِها *** وَدُموعي كَالجُمانِ المُنحَدِر
أَنتِ يا قُرَّةَ عَيني فَاِعلَمي *** عِندَ نَفسي عِدلُ سَمعي وَبَصَر
فَاِترُكي عَنكِ مَلامي وَاِعذِري *** وَاِترُكي قَولَ أَخي الإِفكِ الأَشِر
فَأَذاقَتني لَذيذاً، خِلتُهُ *** ذَوبَ نَحلٍ شيبَ بِالماءِ الحَصِر
وَمُدامٍ عُتِّقَت في بابِلٍ *** مِثلِ عَينِ الديكِ أَو خَمرِ جَدَر
فَتَقَضَّت لَيلَتي في نِعمَةٍ *** مَرَّةً أَلثَمُها غَيرَ حَصِر
وَأُفَرّي مِرطَها عَن مُخطَفٍ *** ضامِرِ الأَحشاءِ فَعمِ المُؤتَزِر
فَلَهَونا لَيلَنا، حَتّى إِذا *** طَرَّبَ الديكُ وَهاجَ المُدَّكَر
حَرَّكَتني ثُمَّ قالَت جَزَعاً *** وَدُموعُ العَينِ مِنها تَبتَدِر
قُم صَفِيَّ النَفسِ لا تَفضَحُني *** قَد بَدا الصُبحُ وَذا بَردُ السَحَر
فَتَوَلَّت في ثَلاثٍ خُرَّدٍ *** كَدُمى الرُهبانِ أَو عَينِ البَقَر
لَستُ أَنسى قَولَها ما هَدهَدَت *** ذاتُ طَوقٍ فَوقَ غُصنٍ مِن عُشَر
نحن في هذه القصيدة أمام شاعر مبتكر، سواء في أسلوبه، أو في ترتييبه للصور والمعاني، فهو على خلاف شعراء عصره ومن سبقوه، لا يفتن بالمحبوبة فيذوب في هواها، وإنما المحبوبة هي التي تسعى إليه ، يقتلها الشوق وتتربص بالفرص أن تسنح لها بوصاله وهي صورة أقرب ما تكون إلى التيه فخراً بالنفس وإعلاء الذات، وهو أمر يجد تفسيره في حياة الترف والبذخ التي نشأ علييها شاعرنا، لكنها على كل حال نقطة لا يلتقي فيها ابن أبي ربيعة بمن سبقوه، فهو المعشوق الذي يفتن به النسوة، ثم أنه يفترق عن غيره من الشعراء أيضا في أنه لم يغرق في الوصف التفصيلي لمفاتن محبوبته ، بحيث يغلب هذا الوصف على قصيدته، وإنما هو يترجم في الواقع أحداثا تدور حولها القصيدة في أسلوب حواري أقرب ما يكون إلى القصة.
فالقصيدة عنده لها بداية حين تبعث هند برسولها إليه، ثم تتوالى الأحداث في وصف جميل متناسق ومتوازن أي أن تصل إلى الذروة بصورة طبيعية لا تكلف فيها، فتحت ستر الليل البهيم، يتسلل إليها بعد أن غاب القمر ، وتدور بينهما أحاديث شتى، إلى أن تنتهي تباشير الصباح هذا اللقاء بصورة طبيعية لا تكلف فيها ولا افتعال.
يتميز أسلوب الشاعر بالبساطة في استخدام الألفاظ، وسلامة التعبير وقلة استخدام الصور البيانية، فهو ينأى عن الإغراب والتكلف، وقد نجح بأسلوبه هذا في التأثير في نفسية القارئ، وجذبه لمتابعة القصيدة ليعرف نهايتها.
كذا نجح ابن أبي ربيعة في تصوير أحاسيس الحب، وتصوير طبيعة المجتمع الذي كان يعيش فيه، والذي ظفرت فيه المرأة العربية بغير قليل من الحرية.