
ماذا تعني الكلمتان : المجرد والمحسوس ؟
مقولتان منطقيتان تستخدمان في تحليل بنية المعرفة والحكم عليها . ويعرف المجرد بأنه ما ينتج عن التجريد. والتجريد هو عمل من أعمال الذهن يقضي بعزل أو فصل جزء من كل ذهنياً. أي عزل صفة من صفات الكائن أو الشيء وإهمال الصفات الأخرى المتعلقة به. فالأفكار المجردة في هذه الحالة هي مفاهيم لا تحتفظ من فئة الأشياء إلا بسماتها العامة ويمكن استعمالها في عملية الاستدلال بالاستقلال عن الأشياء التي تمثلها. ولو أخذنا الشكل الهندسي الذي نتمثله لوجدنا أنه تجريد للشكل الحسي الموجود في الواقع ( الدائرة مثلاً ). ولو أخذنا أيضا الفكرة العامة للإنسان لوجدناها فكرة مجرد بحد ذاتها ، ذلك لأن الواقع لا يقدم لنا سوى أفراد من الرجال والنساء من نوع معين أو من عرق معين أو من قامة معينة.
أما المحسوس فهو يدل بخلاف المجرد على ما يقع تحت الحواس، وعلى ما هو موجود في الواقع ويمكن لمسه ورؤيته دون أخذ بعض صفاته كما هو الحال في المجرد. فالحصان الأبيض هو تعبير حسي بينما لفظة البياض هي لفظة مجردة. ويقال أسلوب حسي عن الأسلوب الذي يقدم صورة عن الأشياء بدل تقديم الأفكار. كما يقال أخلاق محسوسة أو حسية عن الأخلاق التي تكتفي بعرض نماذج أو قواعد عملية للسلوك لا تصدر عن مبادئ عامة مجردة.
وقد أخذت مقولتا المجرد والمحسوس أهمية متفاوتة في تاريخ الفكر تبعا للفلسفات التي استخدمتهما في تصور العالم وتحديد وسائل وسبل معرفته. فأفلاطون أهمل الحسي وأعطى الأهمية للمثل المجردة واعتبرها الغاية والوسيلة في الوصول إلى المعرفة الحقيقية والمطلقة. وهيغل في كتابه " علم المنطق" ينسب الحسي للواقع الملموس والمجرد للفكر. ويعلن أنه من الأيسر للمعرفة الانطلاق من محددات مجردة بسيطة ثم الانتقال جدلياً إلى المحسوس والكلي والحي. فالمجرد هو خاصية الفهم والفكرة بتطورها الذاتي تغتني بمحددات عديدة أي أنها تصبح محسوسة وتنتقل من الوجود إلى الجوهر ومن الجوهر إلى المفهوم وبذلك فإن العالمي المجرد في البداية ينتج نفسه كعالمي محسوس في النهاية.
لكن فويرباخ لا يتفق مع هيغل في هذا الرأي ويعيد الأهمية للمحسوس معتبراً أنه الميدان الوحيد حتى لا نضيع في الجزئيات ونفقد القدرة على التقاط السياق العام لحركة هذا الواقع.