كيف نُشفي الماضي لِنسمح لأنفسنا بأن نعيش الحاضر

كيف نُشفي الماضي لِنسمح لأنفسنا بأن نعيش الحاضر

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

كيف نُشفي الماضي لِنسمح لأنفسنا بأن نعيش الحاضر؟

مواجهة الألم تتطلب شجاعة. فمرحلة التحوّل تمرّ عبر التوقّف عن انعكاسنا في مرايا الماضي، وأن نوجّه وجوهنا نحو ما هو حقًا مهمّ: ذلك الحاضر الذي ينتظر منا أن نتحلّى بالشجاعة لنَشفى، ولنمضي قُدمًا نحو الطمأنينة من جديد.

image about كيف نُشفي الماضي لِنسمح لأنفسنا بأن نعيش الحاضر

شفاء الماضي كي نتمكن من التقدّم ليس أمرًا سهلًا دائمًا. فعادةً ما نحمل ذلك الماضي معنا؛ فكل ذلك الحِمل من الأمس يندمج في كلّ جزيء من كياننا، يذوب في أفكارنا، ويتغلغل في كل سلوكٍ مُقيّد، في كل خوفٍ وليلة أرق. وهكذا، وعلى الرغم من استحالة نسيان كل ما عشناه، يمكننا أن نواجهه لنتعلّم كيف نعيش معه دون ألم. قال غوته بحق: إنّ اليوم طويلٌ جدًا على من لا يعرف كيف يقدّره أو يستثمره. وهذا صحيح، لا سيما حين يسير الإنسان في عالَمٍ نفسيّ تغمره الكآبة والضيق. ففي تلك الحالات التي لا يسكنها إلا الألم، الناتج عن صدمة أو تجربة قاسية مضت في الأمس، يصبح من العسير حقًا أن نُقدّر الحاضر.ذلك أولًا لأن الذاكرة مهووسة، فهي تميل بطريقة تكاد تكون مُحبِطة إلى تذكيرنا بما آلمنا يومًا، وبما خيّب آمالنا، أو بما جاء دون توقّع منّا ولم نعرف كيف نواجهه. ومع ذلك، علينا أن نفهم أن كل إنسان، بدرجات متفاوتة، قد مرّ في حياته بتجربة تركت أثرًا عاطفيًا عميقًا. فهناك أشخاص يستطيعون، في ظل الظروف نفسها، تجاوز ما حدث دون آثار تُذكر، بينما يحمل آخرون في داخلهم أثقالًا ضخمة لا يعرفون كيف يتعاملون معها، فيبتلعونها ويسيرون بها طويلًا دون أن يجدوا سبيلًا للتخلّص منها. صحيح أننا لا نتفاعل جميعًا بالطريقة نفسها أمام الشدائد، لكن يمكن لكل واحدٍ منا أن يمنح نفسه فرصة جديدة لتجاوز الماضي وتقدير الحاضر.

«هناك توازن دقيق بين تكريم الماضي والضياع فيه».

مفاتيح شفاء الماضي
عندما نتحدث عن حاجتنا إلى شفاء الماضي، يمكن أن نشير إلى أشياء كثيرة. فالصدمات لها أشكال لا حصر لها، وأصول متعددة لا نهاية لها. ففي بعض الأحيان، يكفي أن نكون قد عشنا فترة طويلة في حالة من التوتر (مثل ما يمكن أن يحدث في وظيفة ذات ظروف سيئة) حتى تترك فينا آثارًا عميقة. فهناك، على سبيل المثال، آلام حاضرة ناتجة عن أحداث محددة جدًا (مثل وفاة أحد أفراد العائلة). وأحيانًا أخرى، يكون السبب هو التوتر المستمر، كحالة شخص يعيش في حي مليء بالمشكلات، أو حتى طفل يقضي عامًا دراسيًا كاملًا وهو يتعرض للتنمر.مهما كان الأمر، فإن الحاجة إلى شفاء الماضي من أجل عيش حاضر أكثر كرامة ورضا تُعَدّ أمرًا أساسيًا. فدراسات، مثل تلك التي أُجريت في جامعة الطب بنيويورك بقيادة الدكتورة ماري لين كوتري، تشير إلى أمرٍ مهم: إذا كنا قد عانينا في الماضي من نوعٍ من الصدمات النفسية ولم نعالجها، فإن اضطراب ما بعد الصدمة سيزداد سوءًا مع الوقت. هذه الهشاشة النفسية تجعلنا أكثر عرضة لتجارب سلبية جديدة — مثل الانفصالات العاطفية أو فقدان العمل وغير ذلك. والآن، لنلقِ نظرة على بعض المفاتيح الأساسية للتفكير في كيفية شفاء الماضي.

التحدث عن الماضي نعم، ولكن مع الأشخاص المناسبين

كثيرًا ما نسمع أن تجاوز ما يؤلمنا يتطلب إخراجه، وأنه يجب أن نتحدث عنه ونتشارك مشاعرنا ونتنفّس عمّا بداخلنا. حسنًا، هذه الفكرة تحمل بعض التفاصيل الدقيقة. علينا أن نفهم أن ليس كل من حولنا قادر على التواصل مع ما مررنا به. أحيانًا، مشاركة ما يؤلمنا مع أشخاص غير مناسبين قد تجعل الوضع أكثر سوءًا. لذلك، يجب أن نعرف جيدًا مع من نتحدث. ولدينا، بطبيعة الحال، المتخصصون الذين يمكن اللجوء إليهم في مثل هذه الحالات. فالأخصائيون النفسيون هم دائمًا الأشخاص المؤهلون لفهمنا وتقديم المساعدة الحقيقية والفعّالة القادرة على إحداث تغيير إيجابي داخلنا. ومن جهة أخرى، من المفيد أيضًا التحدث مع أشخاص مرّوا بالتجربة نفسها. فذلك يمنحنا شعورًا رائعًا بأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة، وأن هناك آخرين عاشوا الألم ذاته وتمكّنوا من تجاوزه.

أعد تعريف دورك كضحية، كُن صامدًا ودع الضغينة ترحل

من الواضح، على سبيل المثال، أنه في كل علاقة يُوجَد فيها إساءة، هناك معتدٍ وضحية. وبالمثل، يكون الطفل الذي يتعرض للتنمّر ضحية، والعامل الذي يعاني من التنمّر الوظيفي ضحية، وكذلك الأشخاص الذين يمرّون بكارثة طبيعية ويفقدون كل ما يملكونه. لكن بعد هذه التجارب، يكون أمام الضحية خياران:

الخيار الأول هو أن تظلّ في هذا الدور مدى الحياة. إن البقاء في حالة من الجمود وعدم التفاعل مع الألم لن يساعدنا أبدًا على شفاء الماضي. لذا، علينا أن نقول لا لأن نكون ضحايا مزمنين.

أما الخيار الثاني فهو أن نتبنّى موقفًا فعّالًا تجاه أنفسنا. ولهذا، لا شيء أنسب من التحلّي بالمرونة النفسية، أي قبول ما عُشناه وتحمّلناه، مع السماح لأنفسنا بالمضيّ قُدمًا، لنصبح أشخاصًا أقوى وأكثر قدرة على مواجهة الحاضر والمستقبل. كما يجب أن نتذكّر أمرًا مهمًا: الكراهية لا تُفيد. فالحقد المتراكم، وذلك السؤال الدائم "لماذا أنا؟"، يضعنا في سجنٍ أبدي. علينا أن نطهّر هذه المشاعر ونتحرّر من أكثرها سلبية، لنفتح قلوبنا أمام الشفاء الحقيقي.

إيقاف مفتاح القلق
غالبًا ما يتحول الاضطراب اللاحق للصدمة إلى اضطرابات في القلق. من الشائع أن تنتهي الصدمات في كثير من الحالات بنوبات هلع، وفي مواقف نفقد فيها السيطرة على أنفسنا تدريجيًا. ولكي نُشفى من الماضي، علينا أن نتعامل مع القلق، لأنه هو الذي يعيدنا إلى الماضي المؤلم، وهو الذي يُقعِدنا عن التقدّم، ويجلب لنا ليالي الأرق والتعب والصداع… في مثل هذه الحالات، فإن تعلّم تقنيات التنفّس، والاسترخاء، وإدارة التوتر والقلق سيكون لنا عونًا ثمينًا. لذلك لا نتردّد في طلب المساعدة إذا احتجنا إليها. ولخّص الكاتب دون رامون غوميث دي لا سيرنا ذلك بقوله: «في الأنهار تغرق كل مرايا الماضي». فالأمس لم يعد موجودًا، إذ جرفته تيارات الحياة، وحتى وإن بقيت فيه انعكاسات لأشياء سبّبت لنا الألم، فإن من واجبنا أن نتوقّف عن التحديق في تلك الانعكاسات. لأن الحاضر هو المكان الذي تتألّق فيه الفرص، وهو الـ«هنا والآن» حيث يولد الالتزام الحقيقي مع أنفسنا. فلا نُهدره، ولنتعلّم أن نُشفى من الماضي.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Dina Salah تقييم 4.97 من 5.
المقالات

457

متابعهم

46

متابعهم

4

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.