الام الجنة التى تمشى على الارض
الام : الجنة التى تمشى على الارض
الأم ودورها في حياة الأبناء في ضوء القرآن والسنة النبوية وأقوال الفقهاء**

المقدمة
الأم ليست مجرد فرد في الأسرة، بل هي القلب النابض الذي يمنح الحياة معناها، والركيزة الأساسية في بناء الأجيال. وقد أولى الإسلام عنايةً فائقة بالأم، ورفع مكانتها فوق كثير من المقامات، لأنها أصل الوجود، ومصدر العطاء الذي لا ينضب.
ومن خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأقوال الفقهاء، يتجلى لنا دور الأم في حياة الأبناء، وكيف أن صلاح المجتمع يبدأ من صلاحها، لأنها أول من يغرس القيم في النفوس ويزرع الإيمان في القلوب.
أولًا: مكانة الأم في القرآن الكريم
جاءت آيات كثيرة تكرم الأم وتُعلي من شأنها، وتبرز دورها في التربية والرعاية.
قال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير"** (سورة لقمان: 14).
هذه الآية تُظهر حجم المعاناة التي تتحملها الأم في سبيل أبنائها، من حملٍ وولادةٍ وسهرٍ وتربية، ثم تأتي التوصية الإلهية بالشكر لها مقرونة بشكر الله، في دلالة عظيمة على عظم مكانتها. كما قال الله تعالى أيضًا: ((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا"))** (سورة الأحقاف: 15).
وفي هذا التصوير القرآني نجد بيانًا صريحًا لمشقة الأم وعظيم تعبها في سبيل الأبناء، وهو ما يفرض على كل مسلم البر بها وطاعتها والإحسان إليها، فهي أول من يستحق المعروف بعد الله تعالى.
ثانيًا: فضل الأم في السنة النبوية الشريفة
أكدت السنة النبوية على مكانة الأم وحقها العظيم، ومن أبرز الأحاديث قول النبي ﷺ:صلى الله عليه وسلم *"جاء رجل إلى النبي ﷺ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك."** (رواه البخاري ومسلم).
في هذا الحديث الشريف تكرار واضح لكلمة "أمك" ثلاث مرات، وهو دلالة على عظم فضلها وأولوية برها على الأب.
كما قال النبي ﷺصلى الله عليه وسلم أيضًا: "إن الجنة تحت أقدام الأمهات."** (حديث حسن).
والمعنى أن رضا الأم سبب لدخول الجنة، وسخطها طريق إلى الخسارة، فهي باب من أبواب الجنة مفتوح لكل من عرف قدرها وأحسن إليها.
ثالثًا: دور الأم في تربية الأبناء
الأم هي المربية الأولى التي تزرع الإيمان في قلب الطفل قبل أن يتعلم النطق. من خلال رقتها وصبرها وحنانها، يتعلم الابن معنى الحب والرحمة. قال الإمام الغزالي رحمه الله:
> "الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من النقوش، قابلة لكل ما يُنقش فيها."
وهذا يعني أن الأم مسؤولة عن أول نقش في تلك الصفحة البيضاء، فهي التي تحدد اتجاهه نحو الخير أو الشر.
وقد أكدت دراسات علم النفس التربوي أن السنوات الأولى من حياة الطفل تحدد 70% من شخصيته المستقبلية، مما يبرز أهمية وجود أم صالحة واعية ترعاه بالحب والعلم والإيمان.
رابعًا: أقوال الفقهاء في مكانة الأم وحقوقها
اهتم الفقهاء والعلماء ببيان حقوق الأم على أبنائها. قال الإمام النووي رحمه الله: "بر الأم أعظم البر، وطاعتها أوجب الطاعات بعد طاعة الله ورسوله."
وقال ابن حزم الأندلسي: "فرض بر الوالدين واجب على كل مسلم، والأم أحق الناس بالبر، لأنها الأصل الذي منه خرج الولد."
أما الإمام ابن القيم فكان يرى أن للأم ثلاثة حقوق لا يشاركها فيها أحد، لأنها حملت وأرضعت وسهرت وربّت.
وفي الفقه الإسلامي، أوجب العلماء على الأبناء النفقة على أمهاتهم إن احتجن، ورعاية شؤونهن في الكِبَر، وعدم التأفف من خدمتهن، لأن ذلك من صميم البر والإحسان.
خامسًا: الأم قدوة في بناء الأخلاق والإيمان
الأم ليست فقط مصدر الحنان، بل هي القدوة التي تزرع القيم الدينية والاجتماعية في نفوس الأبناء.
عندما يرى الابن أمه تصلي، يصلي مثلها. وعندما يسمعها تذكر الله، يتعلم منها الذكر.
ولهذا كانت أم الإمام الشافعي تُوقظه لقيام الليل وهو صغير، وأم الإمام مالك تُشجعه على طلب العلم منذ نعومة أظافره.
إنها تلك اللمسات اليومية التي تُشكل وجدان الطفل وتزرع فيه حب الله ورسوله، وتجعل منه فردًا صالحًا في المجتمع.
سادسًا: **الأم رمز التضحية والعطاء**
الأم لا تعرف الراحة في سبيل سعادة أبنائها، فهي تُضحي بوقتها وصحتها لأجلهم. وقد ضربت أمهات الصحابة أروع الأمثلة في التضحية، كأم عمارة التي شاركت في غزوات النبي ﷺ،صلى الله عليه وسلم وأم إسماعيل التي واجهت الصحراء وحدها بثقة في وعد الله.
قال الفقيه ابن عثيمين رحمه الله:
"الأم لا يُكافئها ولد مهما فعل، لأن إحسانها ممتد منذ أن كان جنينًا في بطنها إلى أن يكبر ويصبح رجلًا."
سابعًا: عقوق الأم وعقوبته في الإسلام
حذّر الإسلام بشدة من عقوق الأم، وعدّه من الكبائر. قال النبي ﷺ:صلى الله عليه وسلم
"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين."** (رواه البخاري).
فعقوق الأم ظلم مضاعف، لأنها أكثر من تعب وقدّم. ومن يتهاون في حقها، يُعرض نفسه لغضب الله تعالى في الدنيا والآخرة.
الخاتمة
الأم ليست فقط من تُنجب، بل هي من تُربي وتغرس وتُعلّم. هي أول معلمة في حياة كل إنسان، وهي التي تُكوّن ضمير الأمة وقيمها.
فالاهتمام بالأم ليس واجبًا فرديًا فقط، بل هو واجب مجتمعي وديني، لأن صلاح الأم يعني صلاح الأجيال.
قال الشاعر حافظ إبراهيم:
> **الأم مدرسةٌ إذا أعددتها > أعددتَ شعبًا طيب الأعراقِ.**
فلنُكرم أمهاتنا في حياتهن، ولنبرّهن في كل وقت، فبرّ الأم هو طريقنا إلى رضوان الله وجنته.
الأم هي المدرسة الأولى في حياة الأبناء، وقد عظّم الإسلام مكانتها في القرآن والسنة، وبيّن الفقهاء دورها العظيم في التربية وبناء القيم والأخلاق. تعرف في هذا المقال على مكانة الأم في الإسلام ودورها التربوي والإنساني العميق في تشكيل شخصية الأبناء.
الأم في الإسلام، دور الأم في تربية الأبناء، مكانة الأم في القرآن، بر الأم، حديث عن الأم، أقوال الفقهاء عن الأم، دور الأم في بناء المجتمع، الأم والمدرسة الأولى، فضل الأم في السنة، الأم والأسرة المسلمة.