
مهارات المعلم في القرن الحادي والعشرون
تتعدد مصادر العلم والمعرفة في كافة المجالات والاتجاهات، نتيجة العولمة وتسارعها، وكذلك الأمر فيما يخص المجال التربوي وتحديدا في المدارس. إذ لم يعد مدير المدرسة ورؤساء الأقسام (المركزين ) التقليديين هم العنصر الفعال في مدرستهم في هذا الزمن، بل باتت هناك حاجة إلى قائد يؤمن بالتربية القائمة على التنوع والإثراء وليس التنميط، حوارية وليست تلقينية، استقلالية وليست تابعة، ديموقراطية وليست انتقائية، إبداعية استشرافية وليست تقليدية.
وذلك يتطلب تدريب وتوجيه العاملين وإرشادهم في حقل التدريس إلى ممارسة مهارات القرن الحادي والعشرين التي تتضمن التفكير الناقد وحل المشكلات، والابتكار والإبداع، والتعاون والعمل في فريق، وفهم الثقافات المتعددة، وثقافة الاتصالات والمعلومات والإعلام، وثقافة الحوسبة وتقنية المعلومات والاتصال، والمهنة والتعلم المعتمد على الذات، إلى جانب الموضوعات الرئيسة كالرياضيات وتعلم القراءة والكتابة، وموضوعات القرن الحادي والعشرين، مما ينعكس بشكل إيجابي على جودة أداء المديرين والمركزين والمعلمين والطلبة، ويؤدي بالتالي إلى تنمية ثقافة التغيير في المدرسة لتلبية حاجات التعلم للحياة.
كما يشهد العالم في السنوات الأخيرة، العديد من التغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والثورات المعرفية، والتكنولوجيا الرقمية؛ لدرجة أن التغير أصبح سمة رئيسة تميز العصر الحالي، ولا يقتصر على مجال دون غيره. فجميع المؤسسات الحكومية والربحية وغير الربحية والتربوية وغيرها من القطاعات باتت تتأثر بالتغيير وتؤثر فيه، وأصبح واقع صناعة التغيير أو مواكبته وحتى ملاحقته يتطلب قيادات على مستوى عالٍ من الأداء الإداري والقيادية.
بعبارة أخرى: تشكل القيادة في هذا العصر محورا مهما في نجاح المؤسسات والمنظمات واستمرارها، والتي تعود أهميتها إلى العنصر البشري ؛ فهو المسؤول عن إدارتها وتشغيلها. كذلك تعتبر القيادة من اهم الوظائف الإدارية للمدير، بما يقدمه من دعم وإرشاد وتدريب وتوجيه استمرارية العمل وتطويره.
وكما يشهد القرن الحادي والعشرين تطوراً معرفياً وتكنولوجياً ومهنياً هائلاً في مختلف المجالات، مما أدى إلى ظهور العديد من التحديات والمشكلات التي تواجه دول العالم؛ الأمر الذي يتطلب إعداد جيل متعلم متسلح بمختلف المهارات التي تساعده على مواكبة تلك التطورات والتحديات، وتحقيق التنمية المستدامة؛ لأن القرن الحادي والعشرين كما يرى بيرز (2011/2014، 29) يتطلب إعداد جيل من المفكرين والمتعلمين الذين يفكرون على نحو إبداعي لحل المشكلات ويتشاركون مع الآخرين في إنجاز المهام، لأن التعلم والابتكار وإنتاج المعرفة الجديدة هي قدرة جوهرية يجب أن يتحلى بها جيل القرن الراهن.
ويشير ترلينج وفادل (2009/2013) إلى إن إعداد جيل يواجه تحديات القرن الحادي والعشرين يتطلب الاهتمام الكبير بالعملية التعليمية بكافة مكوناتها، وتطويرها وفقا لمتطلبات وتحديات هذا القرن، فقد تغيرت النظرة إلى الهدف الكبير للعملية التعليمية وهو تهيئة الطلاب للمساهمة في عالم العمل والحياة المهنية في القرن الحادي والعشرين الأمر الذي يستوجب مساعده الطلاب على تعلم مهارات القرن الواحد والعشرين وتطبيقها وفهم الموضوعات الجوهرية المرتبطة بتحديات هذا القرن. وهذا ما أكده كل من أهونين وكينين (2015) أن الطلبة في المستقبل يحتاجون إلى مهارات القرن الحادي والعشرين الأكثر قيمة في حياتهم، ومنها مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومهارات العمل والحياة، والمهارات الاجتماعية والتعامل.
ويعتمد إكساب الطلبة للمعارف والمهارات المختلفة ومنها مهارات القرن الحادي والعشرين على وجود معلم مؤهل ومعد إعداداً جيدا ومتسلحاً بتلك المهارات بما يمكنه من تربية جيل القرن الحالي، وهذا يستدعي الاهتمام بإعداد المعلم وتدريبه في ضوء مستجدات العصر؛ حيث يرى دارلنج (2012) إنه لا بد من إعداد المعلمين وتدريبهم وتزويدهم بجميع المستجدات التي تفيدهم في تطوير مستوى أدائهم بما يتماشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين واحتياجاته.
ويؤكد حنفي (2015) أن على معلم القرن الحادي والعشرين إتقان مهارات تدريسية تساعده في إعداد جيل هذا القرن، ومن تلك المهارات مهارات التفكير العليا، والمهارات الحياتية، ومهارات إدارة قدرات الطلاب، ومهارات إدارة تكنولوجيا التعليم، ومهارة إدارة فن التعليم، ومهارة إدارة منظومة التقويم، وهذا يتطلب تطوير برامج إعداد المعلم قبل الخدمة في ضوء تلك المهارات.
ويقع على عاتق برامج إعداد المعلمين المسؤولية في عملية التكوين والإعداد للمعلم القادر على إنجاح العملية التعليمية في ضوء متطلبات القرن الحادي والعشرين من خلال إعداده الإعداد الجيد والأخذ في الاعتبار تزويده بجميع المهارات والمعارف الضرورية التي تساعده في إعداد الأجيال في القرن الحادي والعشرين ، حيث يرى ا لحارثي (2020) أن برامج إعداد المعلم تعد أحد اهم الركائز التعليمية والتربوية في تكوين المعلم ليكون فاعلاً في البيئة المدرسية بكل ما تحتويه من تفاصيل، وهذا يتطلب تضمين برامج إعداد المعلم مهارات القرن الحادي والعشرين لترتقي تلك البرامج وتعود بالنفع على المعلم بما يجعله مواكبًا لمتطلبات العصر الراهن.
إن تضمين برامج إعداد المعلم مهارات القرن الحادي والعشرين في مقرراتها تساعد على إكساب الطلبة المعلمين تلك المهارات بما يسهم في تخريج معلم قادر على التعامل مع التحديات والتطورات المعرفية والتقنية في هذا القرن، إذ يشير أحمد (2016) إلى أنه من الأهمية إعادة النظر في عملية إعداد المعلم وتنميته المهنية؛ حتى يتمكن من مواجهة تحديات العصر ويؤدي المهام الملقاة على عاتقه تجاه متطلبات المجتمع في القرن الحادي والعشرين، وأضاف غراديجه (2014) أن على برامج إعداد المعلم التركيز على التصميم التعليمي وبناء الفريق وتسهيل عمليتي التعليم والتعلم، وتعزيز الإبداع والابتكار، وينبغي دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في برامج إعداد المعلم. أما العثمان (2019) فيؤكد أن على برامج إعداد المعلم قبل الخدمة تحويل اتجاهات المعلم إلى مبادئ ومهارات القرن الحادي والعشرين للتعلم والتدريس.
ويتضح مما سبق ضرورة الاهتمام بتضمين برامج إعداد المعلم مهارات القرن الحادي والعشرين، لإعداد معلم قادر على أداء رسالته ومهنته في ظل تحديات ومتطلبات القرن الحادي والعشرين، وفي هذا الصدد فقد أكدت العديد من الجمعيات والدراسات على المستوى العالمي والإقليمي الاهتمام بتضمين برامج إعداد المعلم مهارات القرن الحادي والعشرين، ومنها الجمعية الأمريكية لكليات إعداد المعلمين التي وافقت على دمج مهارات القرن الحادي والعشرين في برامج إعداد المعلم وكذلك توصية دراسة العثمان (2019) بتوجيه برامج إعداد المعلم في كليات التربية وفقا لمتطلبات مهارات القرن الحادي والعشرين.
المرجع:
أبو أسعد، ميسون سليمان محمد ، ( 2024م)، برنامج تدريبي مقترح قائم على مهارات القرن الحادي والعشرين لتنمية ثقافة التغيير لدى معلمي المدارس الحكومية الثانوية في النارة في ضوء نموذج كوتر، الجامعة الأمريكية، كلية الدراسات العليا، أطروحة استكمال لمتطلبات درجة الدكتوراه في تخصص الإدارة التربوية