تاريخ ترام الإسكندرية وجماله الخالد.. رحلة عبر الزمن على قضبان البحر
تاريخ ترام الإسكندرية وجماله الخالد.. رحلة عبر الزمن على قضبان البحر

تُعد مدينة **الإسكندرية** واحدة من أجمل مدن العالم، بمزيجها الفريد بين عبق التاريخ وروح الحداثة. وبين معالمها المبهرة التي صمدت عبر الزمن، يبرز **ترام الإسكندرية** كأيقونة حضارية تُجسد التراث والنظام والجمال في أبهى صوره. ليس مجرد وسيلة مواصلات، بل هو **رمز من رموز المدينة الساحلية** التي لا تنام، وصوت يروي حكايات الماضي العريق منذ أكثر من قرن.
البداية الأولى لترام الإسكندرية
بدأت قصة ترام الإسكندرية في **نهاية القرن التاسع عشر**، حين كانت المدينة تُعرف بعروس البحر المتوسط، وتضم جاليات أجنبية متعددة من إيطاليا وفرنسا واليونان. ومع تزايد عدد السكان وتطور الحياة التجارية، كان لابد من وسيلة نقل تربط أحياء المدينة ببعضها بسهولة.
ففي عام **1860** تم إنشاء أول خط ترام في الإسكندرية، ليُصبح بذلك **أول ترام كهربائي في إفريقيا والشرق الأوسط**. وقد تولت شركة بلجيكية تنفيذ المشروع وتشغيله، وكان يعتمد في بدايته على **الخيول** التي تجر العربات على القضبان الحديدية، قبل أن يتحول إلى الترام الكهربائي في بداية القرن العشرين.
تحول الترام إلى الكهرباء وبداية العصر الذهبي
بحلول عام **1902** شهد ترام الإسكندرية نقلة نوعية بعدما تم استبدال العربات التي تجرها الخيول بعربات كهربائية تعمل على شبكة كهرباء حديثة في ذلك الوقت.
هذا التطور لم يكن مجرد تحسين في الخدمة، بل كان **حدثًا حضاريًا كبيرًا** جعل الإسكندرية مدينة عالمية بكل المقاييس.
بدأت خطوط الترام تمتد لتصل بين مناطق المدينة من محطة الرمل إلى رأس التين، ومن الشاطبي إلى سيدي جابر، حتى أصبحت شبكة مترامية الأطراف تخدم السكان والسياح على حد سواء.
ألوان الترام ومعانيها
من الملامح المميزة لترام الإسكندرية ألوانه المتعددة التي لا تُخطئها العين.
* **الترام الأصفر**: وهو الأشهر والأقدم، يسير في الخطوط الداخلية القديمة التي تربط قلب المدينة بالأحياء القديمة مثل محطة الرمل والمنشية وكامب شيزار.
* **الترام الأزرق**: أو ما يُعرف باسم **ترام البحر**، وهو المفضل لدى السياح، لأنه يسير بمحاذاة الكورنيش، مانحًا الركاب مشهدًا بديعًا للبحر المتوسط أثناء الرحلة.
* **الترام الأحمر**: دخل الخدمة لاحقًا في بعض الخطوط السريعة الحديثة، وكان يرمز إلى السرعة والتجديد.
هذه الألوان لم تكن مجرد تمييز بصري، بل **جزء من هوية الإسكندرية البصرية**، حتى أصبح الترام الأزرق تحديدًا رمزًا سياحيًا يظهر في الصور التذكارية والبطاقات البريدية القديمة.
ترام البحر.. أجمل رحلة على شاطئ المتوسط
من أبرز ما يميز ترام الإسكندرية هو خط **ترام البحر** الذي يمتد من محطة الرمل إلى سيدي بشر، ويمر بمحاذاة الكورنيش.
الرحلة على هذا الترام ليست مجرد انتقال من مكان لآخر، بل تجربة فريدة تُعيدك إلى أجواء الزمن الجميل.
يمكنك أن تستمتع بنسيم البحر المنعش، وصوت الأمواج المتكسرة على الصخور، وأنت تُشاهد من النافذة مزيج العمارة الأوروبية القديمة والمقاهي الساحلية الحديثة.
كثير من الزوار والسياح يعتبرون ركوب ترام البحر من **الأنشطة السياحية الأساسية** في الإسكندرية، مثل زيارة مكتبة الإسكندرية أو قلعة قايتباي.
الترام في الثقافة السكندرية
الترام لم يكن وسيلة نقل فقط، بل كان **جزءًا من الحياة اليومية والثقافة الشعبية** في المدينة.
ظهر في أفلام الأبيض والأسود، وغنت له المطربة **ليلى مراد** في أغنية “يا رايح على الإسكندرية”، كما ارتبط في أذهان الناس بالرومانسية والنزهات العائلية في أيام الصيف.
حتى اليوم، يعتبر سكان الإسكندرية الترام **رمزًا من رموز الهدوء والانضباط** وسط زحام الحياة، وصوت جرسه المميز “تن تن” يبعث في النفس شعورًا بالحنين والدفء.
التطوير الحديث لترام الإسكندرية
مع مرور السنين وتزايد أعداد السكان والسيارات، بدأت الحكومة المصرية تعمل على **تطوير منظومة الترام** للحفاظ على دوره التاريخي مع تلبية احتياجات العصر.
فقد تم تجديد القضبان والعربات في السنوات الأخيرة، وأدخلت **عربات مكيفة حديثة** في بعض الخطوط.
كما أُطلقت خطط لتحويل بعض المسارات إلى **ترام سريع (LRT)** يربط الإسكندرية بالمناطق الجديدة مثل العامرية وبرج العرب.
الهدف من هذه المشاريع هو **دمج الطابع التراثي مع التكنولوجيا الحديثة**، بحيث يظل الترام جزءًا من هوية المدينة دون أن يفقد روحه الأصيلة.
الترام والسياحة في الإسكندرية
تُدرك الجهات السياحية في الإسكندرية أن الترام يمثل عنصر جذب فريد، ولذلك يُستثمر في الترويج له ضمن برامج السياحة الداخلية والخارجية.
فالكثير من الزوار يفضلون **جولة قصيرة في ترام البحر** للتعرف على المدينة بطريقة مختلفة.
وقد اقترحت بعض الجهات تخصيص **ترام سياحي خاص** مزين بزخارف تراثية يعرض تاريخ المدينة خلال الرحلة عبر شاشات تفاعلية وصور أرشيفية.
هذه الفكرة تهدف إلى جعل الترام **مزارًا متحركًا** يعكس جمال الإسكندرية القديم وروحها الحديثة في الوقت نفسه.
الترام كرمز فني وجمالي
في السنوات الأخيرة، أصبح الترام موضوعًا مفضلاً لعدسات المصورين والفنانين.
تُقام معارض صور ولوحات فنية توثق جمال الترام وألوانه وسط أجواء المدينة الساحرة.
حتى في مواقع التواصل الاجتماعي، تنتشر صور الترام مع الغروب أو أثناء المطر، حيث ينعكس ضوء البحر على القضبان، لتبدو المشاهد وكأنها لوحة فنية نابضة بالحياة.
كما أن بعض الفنانين التشكيليين والمصممين استخدموا الترام في أعمالهم كرمز للحنين إلى الماضي، وأداة للتعبير عن **عراقة المدينة وتفردها**.
ترام الإسكندرية.. تراث حي لا يموت
على الرغم من مرور أكثر من **160 عامًا** على انطلاق أول ترام في الإسكندرية، ما زال هذا الكائن الجميل يحتفظ بمكانته الخاصة في قلوب أهل المدينة وزوارها.
هو أكثر من وسيلة مواصلات، إنه **شاهد على تاريخ المدينة وتطورها**، وذاكرة نابضة بالحياة تروي قصص العشاق، والباعة، والطلبة، والعمال الذين عبروا به أجيالًا بعد أجيال.
سيظل ترام الإسكندرية رمزًا لـ**الجمال والبساطة والالتزام**، ودليلًا على أن المدن الحقيقية لا تُقاس بارتفاع مبانيها، بل بقدرتها على الحفاظ على ماضيها مع التطور نحو المستقبل. ((ترام الإسكندرية – تاريخ ترام الإسكندرية – ترام البحر – وسائل النقل في الإسكندرية – ترام الرمل – السياحة في الإسكندرية – ترام مصر – التراث السكندري – ترام الأزرق – تطوير ترام الإسكندرية))