
الشاعر السعودي: إبراهيم بن حسن بن حسين الأسكوبي
هو شاعر من المدينة المنورة، اسمه إبراهيم بن حسن بن حسين الأسكوبي، ولد بالمدينة المنورة في سنة 1269هـ ، وتوفي بها سنة 1322هـ رحمه الله.
وقد نشأ ا لأسكوبي، وتعلم على طريقة أقرانه، في الكُتَّاب، ثم في حلقات الدرس على أيدي المشائخ من علماء المسجد النبوي الشريف ، ثم انكب على كتب الأدبي العربي، ودواوين الشعر القديم، فكون من اطلاعه عليها، وتزوده منها، زاداً، فجر مواهبه الشعرية ، التي تفتحت منذ صباه، ثم نمت بثقافته، واتسعت بأسفاره، حيث سافر إلى لبنان للتداوي، فاتصل بكثير من أدبائها وشعرائها، كما اطلع فيها على كثير من مستحدثات الحضارة، ووسائل الحياة الحديثة، في ذلك العصر، وأعجب بها، فوصفها في شعره، كما فعل في مزدوجة شعرية نظمها وقارن فيها بين " وابور البحر" أي السفينة البخارية، وبين " وابور البر" القطار، الذي رآه آنذاك لأول مرة . . ومما قاله الأسكوبي في تلك المزدوجة عن السفينة أو " وابور البحر" قوله:
دقلانه يخترق السحابا **** وأصله وسط العباب غابا
في ذيله أن ترى العجابا *** تفهم أخفى السر والخطابا
سامعة مجيبة في آن
وفي تلك المزدوجة قال الأسكوبي عن القطار، أو " وابور البر":
لما تقرب رأى قطاراً *** وأبصر المقدم الجرارا
يدوي دوي النل حين ثارا *** مدخناً ذا زفرة زارا
وخلفه سطر من البنيان
ولا شك أن قيمة هذه المزدوجة ، من حيث موضوعها ، أكبر من قيمتها الفنية وأسلوب نظمها، فهي دليل تأريخي، على بداية تعرف سكا المدينة، على هذه المستحدثات الحضارية، أثنا سفر بعضهم إلى خارج الحجاز، مثل الأسكوبي ، الذي سافر إلى لبنان، فرأى فيها وسائل الحياة الحديثة ووصفها لأول مرة في شعر تعرف من خلاله أهل الحجاز على تلك الوسائل الحضارية الحديثة.
والقيمة التاريخية هي أهم ما يتميز به شعر الأسكوبي، بصفة عام، وبصفة خاصة شعره السياسي، الذي يعتبر الأسكوبي أول من خاض غمار تجربته، من بين شعراء عصره في هذه البلاد.
فلقد استاء الأسكوبي للأوضاع المتدهورة، والأحوال السيئة، التي آلت إليها البلاد الإسلامية وشعوبها، في عهد حكامها من آل عثمان آنذاك، ورأى بثاقب نظره، وصدق إيمانه، وإخلاصه لأمته، أن يقوم بواجب النصيحة، التي رفعها في صبغة خطاب مباشر إلى " آل عثمان" قادة الأمة آنذاك، وشرح لهم فيها أسباب التخلف الحقيقي الكامنة في البعد عن حقيقة الإيمان، وعدم التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والانبهار بأضواء أوروبا النصرانية، ونسيان ماضيها مع السلف، وتصديق دعاويها المغرضة بأن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، مع بيان كيف أن أوروبا، رغم كفرها بالإسلام، قد استلهمت كثيرا من تعاليمه في صنع حضارتها الحديثة " فحمدت كفرا به المسرى" كما قال، " من بحر البسيط":
يا آل عثمان ، فالمغرور من غرا *** بأهل أوروبة أو عهدهم طرا
أتأمنون لموتورين ديدنهم *** أن لا يروا منكم فوق الثرى حرا
تمالؤا، فخذوا حذراً فإنهمو *** يرون إبقاءكم بين الورى ضرا
فهذه دولة الطليان حين رأت *** أسطولكم ليس يفنى فاجأت غدرا
وشقت البحر بالأسطول معجبة *** تختال تيهاً به، مغرورة سكرى
لا تحسبوا أنهم ناسون ما فعلت *** أسلافكم بهم في سالف مرا
أيقظتموهم بضرب الهام فانتبهوا *** من نومهم ورقدتم أنتم الدهرا
فجمعوا عدداً للحرب فاتكة *** براً وبحراً، فجاسوا البر والبحرا
ظننتمو أن دين الله أخَّركم *** عنهم، وهم حمدوا كفراً به المسرى
لا تظلموا رحمة للعالمين أتت *** هدت إلى حكم عظمى، جرت نهرا
فلو عملتهم بها، ما فاتكم أحد *** سبقاً، ولا أحد يوماً بكم أزرى
تذكروا، كم خطيئات لكم سلفت *** بها، تأخرتمو عنهم، أبت حصرا
تالله! تالله: إن لم تسمعوا الذكرى *** مالوا عليكم، فلم يبقوا لكم ذكرا
نعم الشفاء بقرآن الإله إذا *** قبلتموه، وإلا فاسكنوا القبرا
إن تنصروا الله ينصركم، فكم فئة *** قليلة غلبت أضعافها كثرا
وبسبب هذه الأبيات القوية في معناها، الشجاعة في توجيهها، والتي نشرها الأسكوبي في صحيفة " البلاغ" البيروتية، وقد أحدثت ضجة كبرى، استدعته الحكومة العثمانية إلى الأستانة " إسطنبول" وبعد تحقيق دقيق معه، تبينت دوافعه المخلصة وحسن نواياه، فَعُرِضَ عليه منصب كبير، ولكنه رفضه، وفضل العودة إلى وطنه، في المدينة المنورة، متفرغاً للعلم والأدب، إلى أن لقي ربه، عليه رحمة الله تعالى.
وفي هذه الأبيات السياسية للأسكوبي نجد أسلوباً جديداً في إثارة قضايا وحقائق تاريخية، من تاريخ العلاقات الإسلامية الأوروبية، وتوظيفها لخدمة موضوعه الأساسي، وكأنه بذلك يتجاوب مع الاتجاه الرومانسي، الذي ظهر في الأدب الأوروبي آنذاك، وجعل فيه رواده من إثارة حقائق التاريخ في الأعمال الأدبية أسلوباً من أساليب الأداء الفني في الأدب. فالأسكوبي ذكر في أبياته هذه آل عثمان بما كان بين أسلافهم وبين أوروبا المسيحية من مواقف وحروب، استيقظت خلالها أوروبا على ضربات المسلمين، وجمعت قواها في " أحلاف مقدسة" ضد المسلمين، الذين " رقدوا" للأسف، كما أشار إلى ذلك الأسكوبي في شعره، وكان على حق فيه.