فيرجيل:  يجمع النقاد على أنه أعظم شعراء الرومان

فيرجيل: يجمع النقاد على أنه أعظم شعراء الرومان

0 المراجعات


لا يزال الفكر الإغريقي، وإلى حد ما، الفكر الروماني، مفخرة الحضارة الغربية ويجمع مؤرخو الفكرين، آداباً وفلسفة، على أن الحضارة الغربية مدينة للإغريق والرومان، ولكن مع إجماع على أن الفكر الإغريقي أعظم تأثيرا في سيرة الحضارة والفكر على مر العصور والأجيال..

ويأتي (هومير) أو (هوميروس) كما تعودنا أن نسميه في اللغة العربية في الطليعة – أو في قمة هذه الطليعة من تاريخ الأدب العالمي، إذ هو صاحب الملحمتين المشهورتين .. الإلياذة والأوديسا .. ويصفه كل من نقلوا الإلياذة من الكتاب الإنجليز، أنه بهاتين الملحمتين قد رفع الشعلة في الظلام الطويل الذي يعتقد أنه ظل يغمر حياة الإنسان.

والفترة الزمنية التي تفصل بين ظهور هومير، وغروب شمس الحضارة الإغريقية، لترثها الحضارة الرومانية ، تبلغ سبعة قرون .. وكان مرآة هذه الحضارة، (فيرجيل صاحب ملحمة) (أينيد).

وفيرجيل يجمع النقاد على أنه أعظم شعراء الرومان، وقد ولد سنة سبعين وتوفي سنة تسعة عشر قبل الميلاد.. وكان مسقط رأسه في قرية (مانتوا) (أومانشوا) وهي إحدى المدن في شمال إيطاليا وتلقى علومه في مدارس كانت تعرف باسم (كريمونا) في ميلانو وروما..

ومع أن الدراسة التي تلقاها كانت تهيئ له مركزا وعملا مرموقا، فإن اعتلال صحته ، ورهف حسه، وجفوة طباعه، جعلته لا يكاد ينهى دراسته حتى عاد إلى قريته، حيث مزرعة أبيه، مستغنياً عن كل عمل، إلا التفرغ لكتابة الشعر. وهناك فترة غامضة في حياته، نتجت عن الحرب الأهلية التي نشبت في عام 42 ق.م، يبدو أن جانباً من أعماله قد ضاع في هذه الفترة لأن جانبا كبيرا من أراضيه وممتلكاته، احتلته القوات المتصارعة، ومع ذلك فهناك من يرجح أنه أعاد كتابتها، أو عثر عليها واستنقذها.

وملحمة (أينيد) هي قصة بطل أو قائد أسطوري اسمه (أينيس) ليس في التاريخ المدون ما يثبت وجوده، ولكن ما يروى عن بطولته كحكايا على ألسنة الناس كثيرة كانت تتوارثها الأجيال إلى أن جاء فيرجيل، واتخذ من هذه الحكايا مادة أو عنصر ملحمته، وما يستلفت الانتباه، أن (أينيس) هذا موضوع حكايات بدأت عند الإغريق قبل الرومان، فإذا لم تنس أن الرومان قد أقاموا كيانهم الحضاري على أنقاض الحضارة الإغريقية؛ فلا بد أن نسلم، بأن فيرجيل حين اتخذ من (أينيس) موضوع ملحمته وأسبغ عليه ما أسبغ في هذه الملحمة من الأمجاد في إطار روماني كان في الواقع يتوخى تجريد الحضارة الإغريقية من أمجادها وحتى من أبطالها الخرافيين.

إن الملحمة كلها تقوم على ذكر البطولات الخارقة التي قام بها (أينيس) باعتباره بطلا رومانيا، في حروب تمجد الرومان.

وتبلغ الملحمة (أينيد) الذروة في التعقيد أو الأوج في الاحتدام عندما يبدأ الصراع بين (أينيس) عندما وافق (لاتينس) على زواج ابنته الوحيدة ( لافينيا) من (أينيس).. فقد كان لهذه الفتاة – وهي وحيدة أبويها – عاشق هو (جيونو) ما كاد يبلغه خبر موافقة (لاتينس) على زواج (لافينيا) من هذا الغريب (أينيس) حتى ثارت ثائرته، وجن جنونه، وأخذ يستعد للحرب، مستعيناً بتورنوس ملك إحدى مقاطعات إيطاليا، وهذا استعان وتحالف بدوره مع ملوك مقاطعات أخرى، وكل ملك له جيشه وقواته، بينما استعان (أينيس) بقوات من مستعمراته الإغريقية ، وتستمر المعارك .. وتنتهي أخيرا بانتصار (أينيس) وقيامه (بذبح) خصمه العنيد (تورنوس) وليس جيونو الذي نشبت المعارك بسببه .. ويتزوج (أينيس) من (لافينيا) ويؤسس أو يبنى مدينة (لافينيام)تخليداً لذكراها.. وتستمر الملحمة بعد ذلك، لتغطى مراحل أخرى، وشخصيات جديدة، إلى أن يتم بناء مدينة (روما) عاصمة إيطاليا في العصر الحاضر..

ويقول النقاد: إن (فيرجيل) كان متأثراً إلى حد بعيد بتقنية بناء القصص التي وجدها في الأوديسا والإلياذة ، لهوميروس .. ورغم توخيه تجريد الإغريق من أمجادهم، فإننا نرى أن والدة (أينيس) هي (الزهرة) أو (فينوس) كما نرى في (أينيد) طريقة هوميروس فيما يسمى (نتلا فلاش باك) أو العودة على خلفيات الحديث أو الاستطراد، متابعة لما وراء أو ما حدث قبل القصة التي يعطينا بدايتها، ثم يعود بنا إلى ما قبل هذه البداية.. أو يعطينا نهايتها الدرامية ، ثم يعود بنا إلى بدايتها..

ولكن هذا لم يكن لمجرد أن يفجر فيرجيل من طاقاته الفنية وقدرته على الابتكار وبناء المراحل في الحدث بناء واعيا فيه الإدراك المتعمق للفن في هذا البناء وللهدف وهو تمجيد الرمان، وترسيخ بطولاتهم، ليس فقط كمحاربين، وإنما كسادة للعالم بكل من فيه من البشر.. ويذهب به الاعتزاز بالعنصر الروماني إلى حد الزعم الخرافي، بأنهم – حتى إذا ما توا وانتقلوا إلى العالم الآخر- فسوف يستقبلهم هذا العالم استقبالاً يليق بأمجادهم وبطولاتهم..

وتقع الملحمة في ستة أجزاء ويقول المؤرخون والنقاد: إن (فيرجيل) حين كتب الجزء السادس، بدا وكـأنه يضع فلسفته الخاصة ونظرته إلى الموت والحياة، حيث نراه يؤمن بحياة بعد الموت، وبالجزاء عقابا أو ثوابا.. ورغم أن تأثره بالإلياذة والأوديسا واضح في ملحمته، فإن ما يحسب له أنه أقل بدائية، وأن خياله، على إغراقه في تصور أعمال خارقة يقوم بها أبطاله، لم يكن يخلو من التعقل والمنطق، والترابط بين المقدمة والنتيجة.. والسبب هو النضوج الثقافي الذي كان قد تحقق في عصره، الذي سطع في أعقاب سلسلة طويلةمن فلاسفة الإغريق، وفي مقدمتهم سقراط، وأفلاطون وأرسطو الذين تركوا تراثا فكريا لا يزال يعيش حتى اليوم.. ولا سبيل إلى أن ننسى أن هوميروس حين كتب أو قص الإلياذة والأوديسا، لم يكن لأولئك الفلاسفة وجود .. حتى لقد وجد – وما يزال يوجد – من يعتقد أن هوميروس نفسه شخصية لا وجود لها، وأن الأوديسا والإلياذة، قد تكون من وضع متعددين وخلال قرون طويلة، قبل النهضة الفكرية في اليونان.

في السنة التاسعة عشرة ق.م، فرغ فيرجيل من ملحمته، وقابل الإمبراطور أغسطس في أثينا والأرجح أن الإمبراطور ، قد سمع عن الملحمة، قبل أن يمثل الشاعر بين يديه، فاقترح عليه أن يصحبه إلى روما، ووافق فيرجيل، وأعرب عن رغبته في السفر بعد ذلك إلى بعض بلدان آسيا الوسطى، حيث وقعت أحداث ملحمته، بهدف إعادة النظر في الملحمة، وتهذيبها وتنقيح بعض ما جاء فيها وتجويد أدائها البلاغي.. واصطحبه الإمبراطور في رحلته إلى روما.. وفي السفينة التي تبحر بهما، مرض فيرجيل، وما كاد يصل إلى شواطئ إيطاليا، حتى اشتد عليه المرض، فمات، ودفن – كما يرجح الكثيرون، بالقرب من (نابولي)..

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

193

متابعهم

585

متابعهم

6653

مقالات مشابة