دور الموروث اللغوي

دور الموروث اللغوي

0 المراجعات

اكتسبت اللغة العربية خبرة ستة عشر  قرنا من  الاستخدام اللغوي المقنن، العلمي والأدبي، واحتفظت بالقدر الأكبر من رصيدها ومكتسباتها. ويمثل استخدامنا اللغوي استدعاء مستمراً لمدخور هذه اللغة في مفرداتها وتركيبها، من التجارب الإنسانية للقوم، وأخلاقهم وعاداتهم وطرائقهم في تناول اللغة والحياة عامة. يقول عباس محمود العقاد “ لا يعرف علماء اللغات لغة قوم تتراءى لنا صفاتهم، وصفات أوطانهم، من كلماتهم وألفاظهم، كما  تتراءى لنا أطوار المجتمع العربي من مادة ألفاظه ومفرداته، في أسلوب الواقع وأسلوب المجاز”.

ونحن حين نرث اللغة لا نرث منها مجرد ألفاظ صماء جوفاء، وإنما نرثها محملة بما تنوء به من المعاني الأصيلة والدلالات المتطورة والإيحاءات والظلال والرموز، وتتشرب منطقها الخاص وخصائص طريقتها في التعبير. ثم إننا نأخذها في تراكيب تحمل علوما وأفكارا وآدابا هي ترجمة لتجارب الأمة ومنجزاتها الإنسانية. وفي الشعر العربي خاصة تنويه بكل صفة من صفات المروءة والفتوة، وإزراء بكل عيب من العيوب التي تشين صاحبها بين قومه، وبيان واف للأخلاق التي تحكم الحياة فعلا، أو ينبغي أن تحكمها، وتتراءى فيها مرجحة مشرقة بين سائر الأخلاق، وهي الحقيقة التي عناها أبو تمام حين قال:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى   ***   بناة العلا من أين تؤتى المكارم

فتروية هذا الشعر للأبناء سنة تعليمية لإكسابهم فصاحة اللسان وغرس روح الفضائل ومكارم الأخلاق.

وهناك قول ابن خلدون المشهور في ذلك:" إن فن الشعر بين الكلام كان شريفاً عند العرب، ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصلا يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم".

ويقول:" إنه ينبغي لمن يروم تحصيل ملكة اللغة أن يأخذ نفسه بحفظ كلام العرب القديم والجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف ومخاطبات فحولهم في أسجاعهم وأشعارهم، حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه في تراكيبهم، فينسج هو عليه، ويتنزل بذلك منزلة من نشأ بينهم".

واللغة العربية في حد ذاتها رابطة يكتسب بها الجنس والقومية وتمارس دورا كبيرا في توجيه طريقة التفكير عند متعلميها بمنطقها وثقافة أهلها. ناهيك بلغة كالعربية مفكرة بطبيعة بنائها، غير منسلحة عن فكر أبنائها.

وتؤدي كثرة المحفوظ من عيون الشعر العربي ونثره، بعد الاستعداد الخاص، إلى صوغ المزاج الفني للأديب الناشيء، وتنمية الملكة اللغوية والأدبية لديه والقدرة على الأداء الفصيح تعبيرا ووزنا، وغالبا ما يظل الولي للتراث أسيرا مرتهناً لمنطق اللغة العربية وجاذبيتها وموسيقية البناء فيها. 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

163

متابعهم

583

متابعهم

6651

مقالات مشابة