ابن سينا: أحد عباقرة التراث الخالدين

ابن سينا: أحد عباقرة التراث الخالدين

0 المراجعات

 يعتبر ابن سينا أحد عباقرة التراث الخالدين، الأكثر بروزا في سائر حقول المعرفة: في الثقافتين الأصيلة والدخيلة ؛ في العديد من العلوم اللسانية والشرعية والعقلية، في الفلسفة والرياضيات والفلك والمنطق فضلا عن اهتمامه بالعلوم الطبيعية جامعا بين الكيمياء والفيزياء، وبين علم النبات والصيدلة، ويوجه عام بين العلوم التجريدية النظرية والتطبيقية الاختبارية. كما جمع في سيرته وحياته بين نزهة العقل ونزهة النفس فدأب على تحصيل المعارف المختلفة مدركا من خلالها اللذات الجوهرية العليا كما أقبل على أطايب العيش إذ كان شغوفا بالسماع والغناء والشراب، فكان من المحققين اللذين يرغبون في اللذات الحسية الدنيا موقنا بأهمية التوازن بين معطيات الجوهر ومتطلبات المادة غير متناسٍ إلى جانب مسرات العقل والجسد متعة الروح في الصلاة والعبادة.

إن المتعمق في دراسة سيرة ابن سينا ونتاجه الفكري تعتريه الدهشة أمام هذه الشخصية القوية اللافتة. ولعل أهم بواعث الإعجاب بطبيعتها كونها شخصية جامعة رحبة الآفاق وبعيدة الأغوار توظف طاقاتها وقدراتها في البحث والدرس، والتحليل والكشف، والاستنتاج والإبداع لخدمة الإنسان كائنا له دوره في هذا العالم، ومخلوقا له استمراريته بعد الموت.

فابن سينا – في نظرنا – تاليسي وسقراطي وأفلاطوني وأرسططاليسي وأبيقوري ورواقي ... الخ. لأن اهتماماته في شؤون المعرفة ليست محدودة الإطار أو مغلقة الدائرة بل هي لولبية متكافئة في اتجاهاتها الصاعدة والهابطة من الهيولي إلى الجوهر، ومن الماورائيات إلى العناصر الأولية. وهو في هذا الاستيعاب الموسوعي للمعارف والعلوم وعالمها الأمثل غير غائب عن قواها المتعددة الإنسانية والنباتية والحيوانية وحاجاتها ورغباتها، وما في السعي إلى هذه الحاجات من بواعث اللذة والألم. ولو أننا ربطنا كل نزعة من هذه النزعات بفلسفتها في الوجود لكان من السهولة بمكان أن تتمثل في شخصية هذا العبقري ليس فقط تلك المناحي التي نتلمسها عند ذاك النفر من فلاسفة الإغريق بل لأمكمن أن نتلمسها عند نفر آخر من أعلام الفكر الحديث أمثال ديكارت وبرغسون وفرويد على ما بين مذاهب هؤلاء من تباين وتباعد.

وفيما يخص الجانب الفكري في شخصية ابن سينا، يكفي أن نضع بين يدي المثقف العربي مجموعة من اعترافات الباحثين بدور الشيخ الرئيس في تاريخي الثقافة الإنسانية، فقد لقب بأرسطو الإسلام وأمير الأطباء وصنف في مرتبة بين جالينوس وأبقراط قال عنه سارطون " – إنه – من أشهر مشاهير العلماء العالميين".

وقرّظه دي بور بسعة اطلاعه وقدرته على تمثيل جوهر الحياة الفكرية في عصره. وفي هذا المعنى قال البحاثة " أوبرفيك" : إن قيمة ابن سينا كامنة في كونه المفكر الذي " ملأ عصره – فاستحق أن يكون – من كبار عظماء الإنسانية بلا منازع".

ولئن كان البعد  الفلسفي في عبقرية ابن سينا هو الذي هيمن أمداً طويلاً في تاريخ شهرته حتى اعتبره الشيخ مصطفى عبدالرزاق أحد أساطين الفلاسفة الإسلامية الثلاثة، والاخران هما الكندي والفارابي .. فإن ابن سينا العالم والطبيب هو في معاييير الحداثة الفكرية اليوم، لا يقل شأناً عن ابن سينا الفيلسوف، إن لم ييكن ادعى إلى الإكبار والتعظيم بحكم ما للبحث العلمي من وزن في التطور الحضاري المعاصر. وفي هذا المضمار نجد مختلفاً من الشواهد على تقدير هذا العالم والاهتمام بمآثره ومنجزاته العلمية فهو في نظر " إ . نورث" " بدرجة جالينوس وأبقراط" . ويذهب جان . م. ستيلمان إلى القول بـأن " أهمية ابن سينا في حقل الطب فوق التساؤلات" ومرد ذلك حسب رأيه كونه " حدد النظريات والتطبيقات الطبية في القرون الوسيطة دونما أي منافس". ويعترف آخرون بعالمية ابن سينا في حقول المعرفة العلمية فيقول المؤرخ " تاتون" أن الشيخ الرئيس " هو العالم المسلم الأول الذي جمع بين العلوم البحتة والتطبيقية"، حقا إنه معجزة تاريخية:.. ومن أهم ما لقب به أنه أمير الأطباء أجمعين".

ومن ألقابه التي اشتهر بها كما يذكر ف. ق. قاريسون " أبو الجيولوجيا " لاشتهاره في علم علوم الأرض وطبقاتها.

إن ابن سيينا – بلا مراء- معجزة عصره وأحد عظماء العلماء في تاريخ الحضارة " ويعتبر – كما قال كارل بوير في كتابه (تاريخ الرياضيات) حالة خاصة بالنسبة لعمالقة العلوم جميعا الذين ولدتهم الحضارة الإسلامية".

إن تتويج ابن سينيا أميراً في مملكة العلم ليس فخراً للعرب والإسلام وحسب بل هو مأثرة من مآثر عظمة الإنسان الذي لا يأبه للعصبيية والإقليمية، في سجل التاريخ البشري دون أي اعتبار للفواصل الدينية أو القومية.

بهذه النزعة المتحررة يكون الشيخ الرئييس مثلاً أعلى في ميادين النبوغ والتجديد والعطاء الفكري الواسع والبحث العلمي الرصيين، القادر على أن يشكل طوراً فاعلاً من أطوار التقدم الحضاري.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

265

متابعهم

592

متابعهم

6657

مقالات مشابة