اليمن أرض الحكمة: قصة حضارات لا تموت

اليمن أرض الحكمة: قصة حضارات لا تموت

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

حين همست الجبال بتاريخ اليمن

في أقصى الجنوب من الجزيرة العربية، حيث تتشابك الجبال مع السماء، وتمتد الوديان كأنها صفحات كتابٍ قديم، يقف اليمن شاهدًا على واحدة من أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية. لم يكن اليمن يومًا أرضًا عابرة في التاريخ، بل كان قلبًا نابضًا للتجارة، والحكمة، والإنسان.

كان “سالم” شابًا يافعًا، يقضي أمسياته عند سفح جبلٍ عتيق في قريته، جبلٍ قيل إن صخوره تحفظ أسرار آلاف السنين. اعتاد أن يجلس بجوار جدّه، رجلٍ تجاوز السبعين، لكن ذاكرته كانت ممتلئة بحكاياتٍ تفوق عمره بأضعاف.

قال الجد ذات مساء، وهو ينظر إلى الأفق البعيد:

“يا بني، ما تراه أمامك ليس مجرد جبالٍ وتراب… هذه الأرض شهدت قيام حضارات كانت يومًا ما من أعظم حضارات العالم.”

بدأ الجد حديثه عن حضارة سبأ، تلك المملكة التي ارتبط اسمها بالحكمة والثراء والتنظيم. حدّثه عن الملكة بلقيس، التي حكمت شعبها بالعقل لا بالقوة، وعن سد مأرب العظيم، الذي لم يكن مجرد بناءٍ هندسي، بل رمزًا لعبقرية الإنسان اليمني وقدرته على ترويض الطبيعة وتحويل الصحراء إلى جنّاتٍ خضراء.

تخيّل سالم السد شامخًا، والمياه تتدفّق في القنوات، والمزارع تمتدّ على مدّ البصر. رأى القوافل التجارية وهي تتحرّك بثبات، محمّلة باللبان والمرّ، تعبر طرق التجارة القديمة نحو الشام، وبلاد الرافدين، وروما، حاملة معها اسم اليمن إلى العالم.

تابع الجد حديثه قائلاً:

“ثم جاءت حضارة معين، التي نظّمت التجارة ووضعت القوانين، فكان اليمن من أوائل البلاد التي عرفت الإدارة والأنظمة الاقتصادية.”

بدأ سالم يدرك أن ما يسمعه ليس مجرد قصصٍ للتسلية، بل دروسٌ في الاقتصاد، والتنمية، والتخطيط، سبق بها أجداده أممًا كثيرة.

انتقل الجد بعدها إلى حضارة حمير، التي وحّدت البلاد، وجعلت من صنعاء مركزًا سياسيًا وحضاريًا مهمًا. وصف له القلاع الشامخة، والطرق المعبّدة، والنقوش المسندية التي ما زالت تحكي حتى اليوم عن شعبٍ اعتز بهويته ولغته وثقافته.

سكت الجد قليلًا، ثم قال بصوتٍ عميق:

“حضارات اليمن لم تُبنَ على القوة وحدها، بل على العمل، والتجارة، والعلم، واحترام الإنسان.”

في تلك اللحظة، شعر سالم أن الأرض من حوله حيّة، وأن كل حجرٍ يحمل قصة، وكل نقشٍ هو رسالة من الماضي إلى الحاضر. أدرك أن الحضارة ليست مباني فقط، بل قيمٌ تنتقل من جيلٍ إلى جيل.

ومع تغيّر الزمن، مرّ اليمن بتحدياتٍ كثيرة، وتعرّضت حضاراته للإهمال والنسيان، لكن روحها لم تنطفئ. ما زالت في صبر الفلاح، وفي ذكاء التاجر، وفي قدرة اليمني على النهوض مهما اشتدّت الظروف.

نهض الجد وهو يستند إلى عصاه، وقال:

“دوركم اليوم يا سالم، ليس فقط أن تفتخروا بالماضي، بل أن تبنوا مستقبلًا يليق به.”

رفع سالم رأسه نحو السماء المرصّعة بالنجوم، وشعر بمسؤوليةٍ كبيرة. فهم أن معرفة التاريخ ليست ترفًا، بل أساسٌ لبناء الوعي، وأن الأمم التي تنسى حضارتها، تفقد بوصلتها في الحاضر.

في تلك الليلة، عاد سالم إلى منزله وهو يحمل في قلبه يقينًا جديدًا:

أن اليمن، رغم كل ما مرّ به، ما زال قادرًا على أن يكون أرض الحكمة، كما كان يومًا… إذا آمن أبناؤه بقيم حضارتهم، وعملوا على إحيائها من جديد.image about اليمن أرض الحكمة: قصة حضارات لا تموت

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

2

متابعهم

22

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.