قلبه مش ضعف… قلبه حي: حكاية الشخص الحساس
الشخص الحساس

مش مجرد حد بيتأثر بسرعة زي ما الناس بتختصره، لأ… هو إنسان جواه عالم كامل، عالم مليان تفاصيل صغيرة محدش بياخد باله منها غيره، تفاصيل بتدخل قلبه وتتحرك جواه كأنها حاجة كبيرة، مع إنها بالنسبة لغيره ولا حاجة. الشخص الحساس قلبه مفتوح للدنيا زيادة عن اللزوم، بيسمع أكتر من اللازم، وبيشوف أكتر من اللازم، وبيحس بحاجات الناس نفسها مش واعية إنها بتصدرها. ممكن كلمة بسيطة تتقال بعفوية تفضل جواه ليلة كاملة، وممكن تصرف صغير من حد بيحبه يفضل يلف ويدور في دماغه بالساعات. هو مش ضعيف… لأ، بالعكس ده حد قوي جدًا بس القوة اللي عنده مش من النوع اللي بيبان، دي قوة داخلية، قوة إنه يقدر يشيل مشاعره ومشاعر غيره في نفس الوقت. الشخص الحساس طول الوقت في حالة قراءة للعالم: بيقرأ العيون، النبرات، الحركة، السكوت، التفاصيل اللي الناس بتعدّي عليها كأنها هوا. هو مش بس بيلاحظ… لأ، ده بيربط،
ويفهم، ويتأثر، ويفكر، ويعيد التفكير، ويحلل، ويعيد التحليل. دماغه شغالة ٢٤ ساعة، مش لأنه قلقان بس لأنه شايف أكتر من الطبيعي. وده مرهق… مرهق جدًا. الحساس لما يحب، يحب بصدق، بعمق، بحضور كامل، مابيستسمّرش الحب، ما بيعرفش يحب بنص قلب، يا كامل… يا ولا حاجة. ولما يتعلق بحد، بيتعلق بروحه مش بس بحاجته. بيحطّ من نفسه ويده وقلبه بدون حدود، ومش بيبقى مستني تقريبًا حاجة، يمكن بس الاستقرار… يمكن بس الأمان… يمكن بس إن اللي قدامه مايكسرهوش. ولأنه بيحب بعمق… بيتهز بعمق. كلمة بتوجعه، نظرة بتؤلمه، موقف صغير بيقلب عليه يومه كله، مش لأنه بيبالغ، لأ… بس لأنه حسّ زيادة. والناس مش فاهمة ده. الناس بتحب تقول عليه: حساس بزيادة… بيتأثر بسرعة… بيركّز في حاجات مالهاش معنى. بس اللي مش فاهمينه إن اللي يشوفوه “تفصيلة” هو بالنسباله إحساس كامل. الشخص الحساس عنده مشكلة تانية: إنه بيفهم الناس أكتر من اللازم. بيفهم لما حد بيبعد، قبل ما حد يقول. بيفهم لما حد بطل يحبه، قبل ما يسمع الكلمة. بيفهم لما حد بيخبيه حاجة، حتى لو حاول يخبيها كويس. عنده إحساس غريب بيكشف له تغيرات الناس،
وده شيء جميل بس مؤلم. مؤلم لأنه بيفضل ساكت، ومابيواجهش، وبيبدأ يشيل جواه على أمل إن اللي قدامه يفهم. بس قليل اللي بيفهم. الحساس دايمًا عنده خوف من فقدان الناس… مش لأنه متعلق بيهم، لكن لأنه اتعذّب قبل كدا. اتسيب… اتخذل… اتهان… اتكسر… اتعِدّت عليه مواقف خلت قلبه يتشكّل من جديد بطريقة مش سهلة. وعشان كدا، بيخاف من الوداع أكتر من أي شخص. بيتوتر من البُعد قبل ما يحصل، ودايمًا بيراقب التغيير في الكلام، في التعامل، في الاهتمام. قلبه كأنه جهاز حساس جدًا لأي تغيير صغير، وأقل اختلاف بيخليه يفكر: “هو في حاجة اتغيرت؟”.
الحساس بيكبر قبل سنه. بيكبر من التجارب اللي عاشها، من الوجع اللي شافه، من الناس اللي كسرت جوّاه حاجات، من الأيام اللي عدّت عليه وهو ساكت ومحدش في الدنيا فاهمه. بيبقى شكله صغير… بس جواه سنين. الشخص الحساس مش بس بيتأثر، ده كمان بيسامح بسرعة. أيوة… بيسامح يمكن أكتر من اللازم. لو حد وجّعه… يلاقي نفسه بيدور على مبرر للشخص ده: يمكن كان متضايق، يمكن ماقصدش، يمكن عنده ظروف، يمكن أنا اللي فهمت غلط. لكن الحقيقة؟ هو مش بيدور على مبرر لحد… هو بيدوّر على طريقة يمنع بيها قلبه إنه يتكسر. الحساس لما يزعل… مش بيعمل دوشة، مش بيزعّق، مش بيعمل مشاكل… بالعكس، بيبعد في هدوء. يطفّي نفسه واحدة واحدة، يقلّل كلامه، يقلّل وجوده، يقلّل ردوده، لحد ما يتحول لذكرى. ومحدش بيحس إنه بيمشي… غير لما يكون خلاص مش موجود. ولما يمشي؟
عمره ما يرجع. مش عشان قاسي… لأ. عشان اتحرق من جوّه بما فيه الكفاية. ومع كل ده… الحساس بيحاول دايمًا يكون كويس. بيضحك وهو موجوع، بيهون على غيره وهو محتاج حد يهون عليه، بيقف جنب الناس وهو نفسه مش قادر يقف مع نفسه، بيمشي الحياة وهو شايل كتير. والصراع الداخلي ده… محدش شايفه. الشخص الحساس بيحب العمق، مابيحبش العلاقات السطحية، ولا الكلام اللي مافيهوش معنى. بيحب الناس الصادقة، اللي مش بتتلاعب ولا بتكذب ولا بتقلل من إحساسه. بيحب اللي يحترم مشاعره، اللي مايسخرش من دموعه، اللي مايستهينش بكلمة "اتضايقت". بيحب اللي يفهم إن العتاب عنده مش نكد… ده محاولة أخيرة للإصلاح. ومع إنه حساس… لكنه مش محتاج يتغير، ولا لازم يتقسى، ولا لازم يبقى بارد علشان يرضي الناس. بالعكس… هو محتاج حد يشوفه على حقيقته. حد يحترم إن قلبه حساس مش لأنه ضعيف… لكن لأنه حي. يبقى عنده مشاعر مش لأن فيه مشكلة… لكن لأنه إنسان كامل. الشخص الحساس مش عيب… ده جمال. جمال في الروح، في القلب، في طريقة الإحساس، في النظرة للدنيا. يمكن يتوجّع أسرع، بس يحب أصدق. يمكن يتأثر بسهولة، بس نواياه أنضف. يمكن يدمع على حاجات بسيطة، بس قلبه أطيب من مليون قلب ميت. وفي الآخر؟
الشخص الحساس هو أكتر حد بيتحب… وأكتر حد يستاهل يتحب… بس من اللي يعرف قيمته، مش من اللي يستهين بوجعه.