"أنا… النسخة اللي محدش شاف حربها"
فتاة تتعلم نفسها… وتتعلم الحياة

في مكانٍ ما، في توقيتٍ ما، كانت هناك فتاة لا يعرف أحدٌ قصتها كما تعرفها هي.
فتاة دايمًا شايلة جواها ضوضاء محدش يسمعها، وسكوت محدش يفهمه، وأحلام كتير معلّقة بين “عايزة أبدأ” و“مش قادرة”.
كبرت أسرع من سنّها، مش عشان الدنيا سهّلت لها الطريق…
لأ، بالعكس.
كبرت لأنها اضطرت تكون قوية في وقت كانت محتاجة حد يكون قوي بدلها.
اضطرت تفهم نفسها قبل ما تفهم العالم.
اضطرت تطبّب على قلبها بنفسها… حتى لو هي أصغر حد يستحق يعمل ده لوحده.
لكن مع الوقت، بدأت تكتشف إن اللي بيمر بيه الإنسان مش ضعف…
ده “تشكيل”.
هي مش مجرد بنت عادية.
دي بنت اتشكّلت من التجارب، من التفكير الزيادة، من الليالي الطويلة اللي نامت فيها وهي بتحاول تفهم: ليه أنا؟
ومن الصبح اللي قامت فيه وقالت: ماشي… هنكمّل.
---
كانت بتتظاهر إنها بخير… لأنها مش عايزة تقلّ على حد
كانت دايمًا تبص للي حواليها وتحس إن أي حد لو عرف اللي جواها، ممكن يتخض أو يتوه…
فكانت تبتسم.
وتضحك.
وتهز دماغها وتقول “أنا كويسة”…
بس الحقيقة؟ هي كانت أكتر حد محتاج يتسأل: “إنتِ فعلًا كويسة؟”
كل مرة كانت تقع فيها، كانت بتقوم على رجليها مش عشان قوية…
لكن عشان مفيش بديل.
مفيش كتف تِسند عليه بجد، ومفيش حضن يستقبلها من غير أسئلة.
فاضطرت تتعلم تكون الحضن اللي بيلَملِم خوفها…
وتكون العقل اللي يهدي جواها…
وتكون الصديقة اللي تقول لها: “لأ… لسه في أمل.”
---
وفي وسط ده كله… كانت بتحارب عقلها
عقلها كان صديق وعدو في نفس اللحظة.
يوم يرفعها لفوق… ويوم ينزلها تحت.
يوم يقول لها إنها تستاهل كل حاجة حلوة…
ويوم يخوّفها من كل خطوة، كل كلمة، كل علاقة، كل تجربة.
كانت تفكر كتير…
كتير لدرجة إنها ساعات تحس إنها بتدور جوا نفسها من غير ما تلاقي مخرج.
تفكيرها الزايد كان بيراكم عليها وجع مش بإيديها…
لكن برضه التفكير ده هو اللي خلاها حكيمة، واعية، شايفة تفاصيل محدش ياخد باله منها.
وفي أعماق تفكيرها، كانت بتدور على حاجة اسمها: السلام.
مش السعادة…
لأنها عارفة إن السعادة مش ثابتة.
لكن السلام؟ هو الحاجة اللي الإنسان يتشبث بيها لحد ما يلاقي نفسه.
---
كانت بتحب الناس… بس بتحب من بعيد
رغم التعب، رغم الخذلان، رغم القلق…
كان قلبها طيب.
قلب حساس، يدّي بسرعة، ويخاف بسرعة، وينجرح بسرعة.
كانت تعمل خير في السر، وتساعد من غير ما تقول، وتسامح حتى اللي ما يستاهلش.
مش ضعف…
لكن لأنها مش بتحب تشيل كره.
هي عارفة كويس: الكره بيتعب النفس أكتر مما يتعب أي حد تاني.
لكن بتدي حدود…
والحدود دي مش جِدار،
دي درع.
درع حافظت بيه على نفسها بعد ما جرّبت العكس.
---
بتحارب في يومها حرب محدش يعرفها
الصبح بالنسبة لغيرها عادي.
بس بالنسبة لها… هو قرار إنها تقوم رغم إنها مش مرتاحة.
هو قرار إنها تكمل رغم الأيام اللي بتحسها تقيلة.
هو قرار إنها تحفظ صورتها قدام الناس إنها قوية…
حتى لو الدنيا كلها عارفة إنها تتوجع.
بتتخنق… لكنها تكتم.
بتعيط… لكنها تمسح بسرعة.
بتتعب… لكنها تكمل الشغل، الدراسة، المسؤوليات.
وكل مرة حد يقول لها “انتي قوية”،
بتضحك بمرارة وتقول جواها: “لو بس تعرفوا…”
لكن الحقيقة إنها فعلًا قوية.
مش القوة اللي بتدوس…
القوة اللي بتنهض رغم إن مفيش حد يشدها.
القوة اللي تتوجع وتقوم.
القوة اللي تتكسّر وتتلمّ.
القوة اللي تتعب وما تيأس.
---
وبالرغم من ده… كانت بتحلم
آه… بتحلم.
مش بتحلم بأشياء ضخمة…
بتحلم بـ"راحة".
بسلام داخلي.
بحياة ما فيهاش صراع مع كل حاجة.
بإن يومها يبقى خفيف.
بإن قلبها يتطمن.
بإن عقلها يهدى.
بإنها تلاقي نفسها في مكان يحسسها إنها على الطريق الصح.
كانت بتحلم إنها تتغير…
مش عشان ترضي حد،
لكن عشان ترتاح هي.
بتحلم إنها تشتغل على نفسها أكتر…
تتعلم، تطور، تتزين من جوه، تبقى أحسن يوم عن يوم.
والحلم ده…
هو اللي مخليها تقاوم لحد دلوقتي.
---
كانت بتخاف… بس بتقف
الخوف جزء منها…
خوف من المستقبل، من الغلط، من الفشل، من كلام الناس، من الوحدة، من الاختيار الغلط.
لكن رغم الخوف…
كانت دايمًا تقف على رجلها.
بتاخد خطوات صغيرة،
بطيئة…
لكن ثابتة.
مبتجريش…
مش عشان مش قادرة،
لكن عشان مش عايزة تتعور تاني.
اللي اتلسع من النار…
يتعلم يمشي حافي بس بعينين مفتوحة.
---
لحظات كتير كانت تحس إنها تايهة
تحس إنها في حالة غربة…
غربة في المكان، في الناس، حتى في نفسها.
تحس إنها مش فاهمة مشاعرها…
ولا عايزة إيه…
ولا رايحة فين.
بس كانت تعرف حاجة واحدة:
إنها مش هتسيب نفسها للضياع.
هتفضل تدور…
وتسأل…
وتتعلم…
وتصلّح…
لحد ما تلاقي الطريق اللي يناسب روحها.
---
رغم كل ده… كانت أحن من إن حد يتخيله
اللي يشوف قوتها من بره…
يفتكرها جامدة.
لكن اللي يقرب؟
يلقى إن جواها طفلة… محتاجة حضن، ومحتاجة كلمة طيبة، ومحتاجة حد يفهمها بلا شرح.
جواها براءة رغم التعب.
جواها طيبة رغم الخذلان.
جواها نور رغم الظلام.
وده اللي مخليها مختلفة…
ومميزة…
ورقيقة رغم كل حاجة شافتها.
---
وفي النهاية…
هي مش بنت ضعيفة.
ولا بنت عادية.
ولا بنت سهلة.
هي بنت اتكسرت واتصلّحت.
اتلخبطت واتوازنت.
تعبت وقامت.
تايهة بس ماشية.
متوترة بس بتحاول.
بتخاف بس بتكمل.
بتتوجع بس ما بترجعش لورا.
وكل يوم…
بتتغير شِعرة…
وتجبر خطوة…
وتتعلم درس…
وتفهم نفسها نقطة نقطة.
وهي لسه في أول الطريق.
الطريق اللي بيبدأ من جوّا…
وينتهي لنسخة أحسن بكتير من اللي بدأت بيها.
مش مهم الناس شايفاها إزاي…
المهم إنها بدأت تشوف نفسها.
وتحترمها.
وتحبها.
وتؤمن إن جواها قيمة…
مهما كان اللي حواليها مش شايفينها.
لأن الحقيقة؟
هي تستاهل.
وتستحق.
وقدها…
وزيادة.