لماذا نُصفِّق للمسؤول على ما هو واجبه؟  قراءة في ثقافة الخلط بين المال العام والإنجاز الشخصي

لماذا نُصفِّق للمسؤول على ما هو واجبه؟ قراءة في ثقافة الخلط بين المال العام والإنجاز الشخصي

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

لماذا نُصفِّق للمسؤول على ما هو واجبه؟

قراءة في ثقافة الخلط بين المال العام والإنجاز الشخصي

 

 

image about لماذا نُصفِّق للمسؤول على ما هو واجبه؟  قراءة في ثقافة الخلط بين المال العام والإنجاز الشخصي

عندما تُصفِّق لمسؤولٍ لأنه بنى مستشفى أو مدرسةً أو طريقًا من المال العام، فكأنك تُصفِّق للصراف الآلي لأنه منحك مالًا من رصيدك أنت. هذه الجملة ليست مجرد تشبيه طريف، بل تلخيص لخلل ثقافي متجذّر في نظرتنا إلى العلاقة بين المواطن والمسؤول، وإلى معنى “الخدمة العامة” ودور الدولة تجاه الناس.

فالخدمات والمشروعات الحكومية ليست هدايا تُقدَّم للمواطنين، ولا هي مِنّة من مسؤول أو جهة. إنها **حقوق أصيلة** وواجبات مفروضة على الدولة بحكم الدستور والقانون، ويُموَّل تنفيذها من **المال العام** الذي يشارك الجميع في تكوينه عبر الضرائب والرسوم ومختلف موارد الدولة. المسؤول بدوره ليس مانحًا، بل **مديرًا لهذا المال** ومكلَّفًا بالعمل من أجل الناس، تمامًا كما يدير الموظف مال الشركة التي يعمل بها دون أن يدّعي ملكيته.

المعنى المقصود

* الوظيفة الأساسية لأي مسؤول هي **إدارة المال العام وتنفيذ المشاريع** لصالح المجتمع، وهذا **ليس منّة** بل واجب.
* الإشادة ينبغي أن تكون على **الكفاءة والنزاهة وحُسن الإدارة** وليس لأن المسؤول نفّذ ما هو مطلوب منه أصلًا.
* التشبيه يلفت النظر إلى انتشار ثقافة تعتبر الخدمات العامة تفضلًا من المسؤول، بينما هي **حق من حقوق المواطن**.

ثقافة تختزل الدولة في شخص

من أخطر ما يُنتج هذا الخلل هو **الشخصنة**؛ أي اختزال الدولة ومؤسساتها في فرد واحد. فبناء مدرسة أو تطوير مستشفى يتحول إلى “إنجاز فلان”، وكأن العاملين والمهندسين والميزانية والخطط لم تكن موجودة. بينما الحقيقة أن أي مسؤول لا يعمل منفردًا، بل ينفّذ سياسة عامة تُراجع وتُموَّل وتُراقَب من أجهزة متعددة.

ثقافة “المنّة” هذه تجعل المواطن في موضع المتلقي الخاضع، بدلاً من أن يكون **شريكًا وصاحب حق**. كما تُربّي أجيالًا لا تطالب بحقوقها، بل تنتظر التفضل عليها بخدمات هي في الأصل جزء من الحد الأدنى لأي دولة محترمة.

لماذا يصفّق الناس إذًا للواجب؟

تتعدد الأسباب التي تجعل الكثيرين يخلطون بين الواجب والفضل، وبين المال العام ومبادرات المسؤولين:

1. **ضعف الوعي المواطني**
  حين يغيب إدراك المواطن لدوره وحقوقه، يصبح إنجاز الواجب أمرًا خارقًا يستحق الاحتفال، لا مجرد التزام وظيفي.

2. **الإعلام الموجَّه**
  في كثير من الأحيان، تروّج بعض الوسائل لعبارات تجعل المشاريع العامة تبدو كإنجازات فردية، لا كمحصلة عمل مؤسسي طويل.

3. **تاريخ من نقص الخدمات**
  في المجتمعات التي عانت طويلًا من الإهمال، قد يشعر الناس بالامتنان المبالغ فيه عند حصولهم على الخدمة—even لو كانت متواضعة—لأنها بالنسبة لهم تحسّن يُنتظر منذ سنوات.

4. **خلط بين الاحترام والتقديس**
  من الطبيعي احترام المسؤول المجتهد، لكن غير الطبيعي أن يتحول هذا الاحترام إلى “تبجيل” أو فهم خاطئ لوظيفته.

احترام الجهد.. دون إغفال الحقيقة

ليس المقصود من هذه الرؤية الدعوة إلى تجاهل الجهد أو التقليل من دور المسؤولين الجادين. فالإدارة الجيدة، والتخطيط السليم، ومحاربة الفساد، وتنفيذ المشاريع بكفاءة… كلها تستحق الثناء. لكن هذا الثناء يجب أن يكون **منضبطًا وعقلانيًا**، مبنيًا على معايير واضحة، لا قائمًا على الانبهار لمجرد تنفيذ الواجب.

يمكنك أن تُعجب بمسؤول لأنه سرّع مشروعًا stalled لسنوات، أو لأنه حارب الفساد داخل مؤسسته، أو لأنه اختار أولويات صائبة. لكن ليس منطقيًا أن نصفّق له لأنه بنى مدرسة جديدة، فهذه المدرسة ليست هدية شخصية منه، بل حق من حقوق أبنائنا ومال دُفع من جيوب الناس.

من “ثقافة الامتنان” إلى “ثقافة الحق

الانتقال من عقلية «شكراً يا سيادة المسؤول على عطاياك» إلى عقلية «نُريد خدماتنا لأنها حقوقنا» يحتاج إلى وعي مجتمعي وتربية مدنية ومؤسسات إعلامية أكثر مسؤولية. يحتاج إلى إدراك أن:

* الدولة جهاز خدمي لا جهازًا وصائيًا.
* المسؤول موظف عام لا ولي نعمة.
* المال العام ملك للناس لا رصيدًا شخصيًا للمناصب.
* الإنجاز الحقيقي هو حسن الإدارة لا الادعاء بالفضل.

الخلاصة

عندما نُصفّق لمسؤول لأنه بنى مستشفى من المال العام، فنحن نرسّخ دون قصد ثقافة تخلط بين الحق والفضل، وتُغيّر موقع المواطن من صاحب حق إلى متلقي منّة.
والحقيقة أن التصفيق الحقيقي يجب أن يكون **للشفافية، والعدالة، والكفاءة، واحترام القانون**… لا لمجرد تنفيذ ما هو واجب.
أن المسؤول، أيًا كان منصبه، **لا يُنفق من جيبه الخاص** عندما يبني مدرسة أو مستشفى أو طريقًا، بل يستخدم **المال العام** الذي هو حق للمواطنين جميعًا. وبالتالي، فتصفيق الناس له *بوصفه المُنقذ أو المانح* يشبه التصفيق لآلة الصراف الآلي لأنها تُعطيك مالك الذي هو أصلًا من رصيدك.

لماذا ينتشر هذا السلوك؟** * ضعف الوعي العام بحقوق المواطنين. * أن الأنظمة البيروقراطية جعلت تنفيذ الواجب يبدو كإنجاز. * غياب المساءلة يجعل الناس يشعرون بأن أي خدمة—even واجبة—تستحق الامتنان الزائد.

 

 

"لماذا نصفّق للمسؤول على بناء مستشفى أو مدرسة من المال العام؟ مقال يناقش ثقافة الخلط بين الواجب والإنجاز، ويكشف كيف يتحول حق المواطن إلى منّة، ولماذا يجب تعزيز مفهوم الحقوق المدنية والإدارة الرشيدة للدولة."

 

* المال العام
* ثقافة تصفيق المسؤولين
* حقوق المواطن
* واجبات الدولة
* المسؤول والمال العام
* أهمية الوعي المجتمعي
* ثقافة الحق لا المنّة
* تقييم أداء المسؤولين
* دور الدولة في تقديم الخدمات
* الوعي السياسي والمجتمعي
* بناء المستشفيات والمدارس
* الإنفاق الحكومي
* الإدارة الرشيدة
* العمل الحكومي
* المفاهيم المدنية



 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
احمد المصرى Pro تقييم 4.99 من 5. حقق

$0.17

هذا الإسبوع
المقالات

398

متابعهم

136

متابعهم

924

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.