حكم محكمة النقض "المشاهرة لا تساوى 59 سنة" الطعن رقم 8850 لسنة 89 قضائية – جلسة 12 مايو 2021
حكم محكمة النقض "المشاهرة لا تساوى 59 سنة"
الطعن رقم 8850 لسنة 89 قضائية – جلسة 12 مايو 2021

شهد الوسط القانوني في مصر جدلًا واسعًا خلال السنوات الماضية حول تفسير كلمة *مشاهرة* في عقود الإيجار الخاضعة للقانون المدني، وهل تعني امتداد العقد لأقصى مدة ممكنة وهي 59 عامًا، أم أنها مجرد إشارة إلى أن الإيجار شهري. هذا الجدل أنهته **محكمة النقض المصرية** بحكم تاريخي أعاد الأمور إلى أصلها القانوني، ووضع حدًا نهائيًا لأي تلاعب في تفسير عقود الإيجار.
في هذا المقال نشرح القصة كاملة، ونوضح المبدأ القانوني الجديد، وأهم النصوص القانونية التي استندت إليها المحكمة، وتأثير الحكم على الملاك والمستأجرين.
القصة من بدايتها: كيف بدأت الأزمة؟
بدأت وقائع القضية عندما قامت مالكة جديدة لعقار قديم بإنذار المستأجر بحوالة الحق، ثم أقامت ضده دعوى إخلاء استنادًا إلى أن **عقد الإيجار مكتوب فيه كلمة “مشاهرة”**، وأن هذا يعني أن العقد شهري ويحق لها إنهاؤه متى شاءت بالتنبيه القانوني.
محكمة أول درجة صدقت هذا التفسير، وقضت بالإخلاء.
لكن **محكمة الاستئناف** ألغت الحكم تمامًا، وقالت إن كلمة مشاهرة تعني أقصى مدة إيجار ممكنة، وهي 59 سنة، وفق بعض الاجتهادات القضائية القديمة.
ولأن هذا التفسير لا يرتكز على نص قانوني، لجأت المالكة إلى **محكمة النقض** التي تدخلت لتصحيح المفهوم وإرساء مبدأ قانوني واضح.
محكمة النقض تقول كلمتها: المشاهرة = عقد شهري وليس 59 سنة
في حكمها الصادر في **الطعن رقم 8850 لسنة 89 قضائية – جلسة 12 مايو 2021**، أكدت محكمة النقض الآتي:
أولًا: عقود الإيجار الخاضعة للقانون المدني عقود مؤقتة بطبيعتها
لا يوجد في القانون المدني عقد إيجار أبدي أو ممتد مدى الحياة.
العقد يجب أن يكون له **مدة محددة**.
ثانيًا: إذا لم تُذكر مدة الإيجار يعتبر العقد منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة
* إذا كانت الأجرة **شهرية → العقد شهري**
* إذا كانت الأجرة **سنوية → العقد سنوي**
وهذا تطبيق مباشر للمادة **558 مدني**.
ثالثًا: كلمة مشاهرة تعني أن الإيجار يتم دفعه شهريًا
وقالت النقض صراحة:
> *“كلمة مشاهرة لا تعني امتداد الإيجار لمدة 59 عامًا كما ذهبت بعض المحاكم… وإنما تعني أن العقد شهري قابل للإنهاء بالتنبيه في الميعاد القانوني.”*
رابعًا: للقاضي لا يجوز أن يضيف مدة غير موجودة في العقد**
لا يجوز للقاضي أن يضع مدة 59 سنة من عنده أو يستنتج نية خيالية للطرفين.
لماذا ألغت النقض فكرة "المشاهرة = 59 سنة"؟**
لأن هذا التفسير **مخالف للقانون المدني** الذي ينص بوضوح على أن:
🔹 إذا لم تُذكر المدة → يُعتد بدورية دفع الأجرة فقط
🔹 لا يجوز ربط انتهاء المدة بأمر غير محقق الوقوع
🔹 لا يوجد امتداد تلقائي لأقصى مدة ممكنة
وبالتالي فإن كلمة **مشاهرة** لا تُفسّر إلا على أنها **عقد إيجار ينتهي بانتهاء كل شهر، ويتجدد تلقائيًا، ويجوز إنهاؤه بالتنبيه**.
النصوص القانونية التي استندت إليها محكمة النقض
*المادة 558 مدني**
إذا لم تُحدد مدة العقد يعتبر منعقدًا لفترة دفع الأجرة.
*المادة 563 مدني**
التنبيه بالإخلاء:
* شهر في العقود الشهرية
* 3 أشهر في العقود السنوية
**المادة 564 مدني**
الامتداد الضمني للعقد المتجدد.
*المادة 598 مدني**
الإيجار عقد مؤقت بالضرورة.
تأثير الحكم على الملاك والمستأجرين
هذا الحكم أحدث توازنًا كبيرًا في سوق الإيجارات الخاضعة للقانون المدني، ومن أهم آثاره:
**على الملاك:**
* إنهاء التلاعب بتفسير كلمة مشاهرة.
* إمكانية إنهاء الإيجار بالتنبيه الشهري.
* حماية حقوق المالك في استرداد العين عند الحاجة.
*على المستأجرين:**
* وضوح المدة القانونية للعقد.
* معرفة أن كلمة مشاهرة لا تمنح امتدادًا طويلاً للعقد.
* ضرورة الالتزام بدورية دفع الأجرة والتنبيه عند إنهاء العلاقة.
وجهة نظرى كرجل قانون
بصفتى محامى ورجل قانون باطرح وجهه نظر قانونية بهذا الامر مع احترام حكم محكمة النقض
من الناحية القانونية البحتة، لا يمكن تجاهل **نية طرفي العقد** عند تفسير نصوصه، خاصة في العقود القديمة التي أبرمت في ظل قوانين كانت تمنح المستأجر امتدادًا واسعًا لم يكن مقصودًا دائمًا من المالك. فاعتبار النية المشتركة بين الطرفين عنصرًا أصيلًا في تفسير العقود، ليس رفاهية قضائية بل قاعدة مستقرة في القانون المدني، تنص عليها مبادئ تفسير الإرادة المشتركة في المواد 148 وما بعدها.
وفي سياق عقود الإيجار القديمة، فإن مجرد الاعتماد على كلمة مثل **"مشاهرة"** دون بحث الخلفية التشريعية والاجتماعية والاقتصادية التي أُبرمت فيها هذه العقود، قد يؤدي إلى قصور في تفسير الإرادة الحقيقية للمتعاقدين. فلو كان المشرّع في ذلك الوقت يرى أن الإيجار يجب أن يمتد دون سقف زمني، لكان وضع نصًا صريحًا، لكنه لم يفعل، وترك العلاقة لتقدير القاضي وفق ضوابط الإرادة والنية المشتركة.
ومن ثم، فإن الاتجاه الذي يرى أن العقد يجب أن يُفسّر باعتباره ممتدًا **حتى الحد الأقصى البالغ 59 سنة** فقط—not more—هو اتجاه يجد أساسه في المنطق والعدالة الاجتماعية. ولو تم العمل به من البداية لكان العقد المبرم في السبعينيات مثلًا قد انتهى تلقائيًا بحلول **عام 2029**، دون أن يمتد إلى أجيال متلاحقة لم تكن طرفًا في العقد أصلًا، ودون أن يُجبر المالك على تحمّل علاقة تعاقدية أبدية لم يقصدها ولم يُفصح عنها.
غياب تدخل المشرّع لعقود طويلة في هذا الملف شديد الحساسية هو ما خلق **شرخًا عميقًا** في العلاقة بين الملاك والمستأجرين. فالمشكلة لم تكن في عقد المشاهرة ولا في النية ولا في القضاء، بل في **الفراغ التشريعي** الذي ترك الأطراف تتصارع داخل ساحات المحاكم، بينما بقيت العلاقة الإيجارية رهينة قوانين صدرت لظروف استثنائية ثم استمرت دون مراجعة أو تحديث.
كان على المشرّع أن يحدد بشكل واضح ومباشر:
* المدة القصوى للعقود القديمة،
* كيفية إنهائها تدريجيًا،
* كيفية تعويض الطرف المتضرر،
* وكيفية إعادة التوازن للسوق العقاري.
لكن هذا لم يحدث في الوقت المناسب، فاستمرت الأزمة وتفاقمت، وأصبح القضاء مضطرًا للتعامل مع قضايا معقدة وغير متوازنة دون أن تتوفر له نصوص صريحة تقطع الخلاف.
وفي النهاية، يظل رأيي القانوني واضحًا:
**لو كان المشرّع تدخل في الوقت المناسب وحدّد سقفًا زمنيًا للعقود القديمة—مثل 59 سنة كحد أقصى—لكانت الأزمة انتهت بشكل عادل ومتوازن، ولكانت العلاقة بين المالك والمستأجر أكثر استقرارًا واحترامًا لإرادة الطرفين.**
الخلاصة
محكمة النقض المصرية حسمت الجدل وأعلنت بوضوح:
**كلمة مشاهرة = عقد شهري، وليس عقدًا ممتدًا 59 سنة.**
وبهذا الحكم، عادت الأمور إلى نصوص القانون المدني، وأصبحت العلاقة الإيجارية واضحة وشفافة، بعيدة عن أي اجتهادات خاطئة أو تفسيرات غير منضبطة.
* حكم محكمة النقض المشاهرة
* معنى كلمة مشاهرة في الإيجار
* المشاهرة تساوي شهر
* مدة عقد الإيجار المدني
* الإيجار الخاضع للقانون المدني
* عقد الإيجار دون مدة
* المادة 558 مدني
* المادة 563 مدني
* تجديد عقد الإيجار
* إنهاء عقد الإيجار بالتنبيه
* تفسير عقود الإيجار
* الإيجار الشهري في القانون المصري
حكم تاريخي من محكمة النقض المصرية يحسم الجدل حول كلمة *مشاهرة* في عقود الإيجار، ويؤكد أنها تعني عقدًا شهريًا يمكن إنهاؤه بالتنبيه القانوني، وليس عقدًا ممتدًا لمدة 59 سنة. تعرف على تفاصيل الحكم، القواعد القانونية، والتفسير الصحيح لعقود الإيجار المدنية.