إعدام رمز الإسكندرية.. توقف ترام الرمل للتحديث ومخاوف من ضياع الهوية التاريخية
إعدام رمز الإسكندرية..
توقف ترام الرمل للتحديث ومخاوف من ضياع الهوية التاريخية

لن يتوقف ترام الإسكندرية عن السير فقط في نهاية ديسمبر 2025، بل ستتوقف معه نبضات ذاكرة مدينة كاملة.
كيف يمكن لقضبانٍ عاشت أكثر من قرن ونصف أن تصمت فجأة؟ وكيف يهدأ جرسٌ كان يوقظ الصباح على مهل، معلنًا بداية يوم جديد لآلاف القلوب؟
أكان الترام مجرد وسيلة نقل؟ أم كان رفيق الفقراء والأغنياء، شاهدًا على أولى قصص الحب، ومواعيد العمل المتأخرة، وخطوات الأطفال إلى مدارسهم؟ من يعوض ضحكات الأجيال التي حفظها صدى العربات، ومن يفسر هذا الوداع الغامض الذي لا نعرف: أهو توقف مؤقت أم فراق أبدي؟
حين يتوقف الترام، هل تتوقف العجلات فقط… أم تتوقف معها حكايات الإسكندرية التي لا تُروى في الكتب، بل تسكن الذاكرة والوجدان؟
توقف الترام بحجة التطوير، لكن الخوف الحقيقي يسكن القلوب: هل يعود كما كان؟ أم يُمحى جزء أصيل من روح الإسكندرية باسم الحداثة؟ففي نهاية شهر ديسمبر من عام 2025،سيتوقف الترام فى بعض محطاتة للتطوير
يُعد **ترام الرمل أو ترام الإسكندرية** واحدًا من أعرق مرافق النقل الجماعي في مصر وأفريقيا، بل ومن بين **أقدم أنظمة الترام في العالم**، إذ بدأ تشغيله رسميًا عام **1860م**، ليصبح شاهدًا حيًا على تطور المدينة وتاريخها العمراني والاجتماعي على مدار أكثر من قرن ونصف.
بداية الحكاية
ترجع قصة ترام الرمل إلى منتصف القرن التاسع عشر، حين منحت الحكومة المصرية **التاجر الإنجليزي السير إدوارد سان جون فيرمان** امتيازًا لإنشاء خط سكك حديدية يربط بين **مدينة الإسكندرية ومنطقة الرمل**، مع احتفاظ الحكومة بحق سحب الامتياز في أي وقت.
وبعد مرور عامين فقط، تأسست شركة مساهمة برأس مال قدره **12 ألف جنيه**، مقسمة على **1200 سهم**، تنازل بموجبها فيرمان عن حق الامتياز للشركة الجديدة مقابل حصوله على **30% من الأرباح خلال السنوات الثلاث الأولى**.
أول قطار… وأول رحلة
في **سبتمبر عام 1862م**، وُضعت أول قضبان حديدية في منطقة **مسلة كليوباترا**، التي تُعرف حاليًا باسم **محطة الرمل**، ليبدأ مد الخط الحديدي رسميًا.
وفي **8 يناير عام 1863م**، انطلقت أول رحلة لنقل الجماهير، حيث تم تسيير **قطار واحد** من محطة الإسكندرية إلى محطة بولكلي مرورًا بمنطقة **مسجد سيدي جابر**.
وكان القطار يتكون من:
* عربة واحدة للدرجة الأولى
* عربتين للدرجة الثانية
* عربة واحدة للدرجة الثالثة
وكان يُجر بواسطة **أربعة خيول**، في مشهد يعكس بساطة البدايات وعظمة الفكرة.
عصر الخديوي إسماعيل وتطوير الترام
مع تولي **الخديوي إسماعيل** الحكم، زادت عنايته بتعمير مدينة الإسكندرية، خاصة **حي الرمل**، حيث أقام القصور الصيفية واهتم بتطوير البنية التحتية، وكان من بينها خط الترام.
وفي **22 أغسطس 1863م**، جرى تطوير الخط ليعمل باستخدام **القاطرة البخارية** بدلًا من الجر الحيواني.
### تأسيس شركة سكك حديد الإسكندرية والرمل
أُنشئت لاحقًا شركة **«سكك حديد الإسكندرية والرمل»** برأس مال بلغ **110 آلاف جنيه إنجليزي**، واستكملت مد الخط الحديدي من محطة **سبورتنج** إلى محطة **مصطفى باشا**.
كما توقّف تشغيل خط **جامع سيدي جابر** لفترة، قبل أن يُعاد تشغيله مرة أخرى عام **1926**.
ازدواج الخط وبداية الترام الحديث
في عام **1897**، بدأت الشركة في **ازدواج الخط بين محطة الرمل ومحطة بولكلي**، ليصبح هذا المسار هو الأساس الذي تطور لاحقًا إلى **خط ترام الرمل الحالي**.
### من البخار إلى الكهرباء
شهد الترام تطورًا كبيرًا في **يونيو 1898**، عندما تقرر استبدال القاطرات البخارية بأخرى تعمل بالكهرباء.
ورغم القرار المبكر، لم يبدأ التشغيل الكهربائي فعليًا إلا في **25 يناير 1904**، حيث استُخدمت العربات الكهربائية لنقل الركاب من **ميدان محطة الرمل إلى سراي رأس التين**.
أما المنطقة الممتدة من محطة السراي حتى **فيكتوريا (النصر حاليًا)**، فكانت مخصصة للخديوي **عباس حلمي الثاني**، ولم تُفتح للجمهور إلا عام **1909**.
الترام الأزرق… هوية أرستقراطية
اشتهر **الترام الأزرق (ترام الرمل)** بسيره في الأحياء الراقية مثل:
رشدي – باكوس – صفر – شوتس – زيزينيا – جناكليس.
ويتميز الترام الأزرق بوجود:
* عربة مخصصة للسيدات
* عربة للرجال
* عربة مختلطة
كما يلتقي الترام الأزرق مع **الترام الأصفر** في **محطة الرمل**، التي تُعد قلب الترام النابض وأقدم نقطة انطلاق له.
مواعيد التشغيل وملامح اجتماعية فريدة
يبدأ الترام عمله يوميًا من **الساعة الرابعة فجرًا** حتى **الواحدة بعد منتصف الليل**.
وحتى أحداث **يوليو 1952**، كان:
* **سائقو الترام من الإيطاليين**
* **محصلو التذاكر (الكمسارية) من المالطيين**
ومن أغرب ملامح الترام التاريخية، وجود **عربة سوداء مخصصة لنقل الموتى**، بلا أبواب أو نوافذ، وكانت تُستخدم لنقل المتوفين من **مختلف الديانات** دون تمييز.
نداء للحفاظ على التراث
إن ترام الرمل ليس مجرد وسيلة نقل، بل **جزء من ذاكرة الإسكندرية وهويتها الحضارية**.
ومن هنا، يناشد كثير من أبناء المدينة **المسؤولين عن تطوير الترام** ضرورة:
* عدم إيقافه قبل الانتهاء من المرحلة الأولى لمترو الإسكندرية (قطار أبو قير سابقًا)
* أن يكون التطوير على مستوى يليق بتاريخ المرفق
* الحفاظ على **الواجهة والهوية التاريخية** للترام
فترام الرمل ليس مجرد خط مواصلات، بل **قطعة حية من تاريخ مصر الحديث**.
**والله الموفق والمستعان.**
توقف ترام الرمل تحت شعار التطوير يثير جدلًا واسعًا في الإسكندرية، وسط مخاوف حقيقية من ضياع أحد أهم رموز الهوية التاريخية للمدينة الساحلية. هل التطوير يعني الإعدام؟