
حكم محكمة النقض بشأن فحص صفحات فيسبوك: لا يجوز الدخول إلا بإذن نيابة "مُسبب"
حكم محكمة النقض بشأن فحص صفحات فيسبوك:
لا يجوز الدخول إلا بإذن نيابة "مُسبب"
الطعن رقم 4875لسنة 92 قضائية

العنصر الأول: خلفية الحكم وأهميته
أصدرت محكمة النقض مؤخرًا حكمًا يُعد من أهم الأحكام القضائية في عصر التواصل الاجتماعي، إذ وضعت من خلاله **ضوابط صارمة لتفتيش الصفحات الشخصية على مواقع التواصل مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب**.
هذا الحكم لا يخص واقعة عادية، بل يؤسس لمبدأ قانوني جديد يحمي **الحرية الشخصية وخصوصية الأفراد الإلكترونية**، ويؤكد أن أي فحص أو دخول إلى صفحة شخصية يجب أن يكون **بإذن مسبّب صادر من النيابة العامة**.
بمعنى آخر: لا يحق لأي جهة — حتى الجهات الأمنية — الاطلاع على حسابك أو محتواه دون سبب قانوني واضح ومكتوب.
العنصر الثاني: ملابسات القضية محل الحكم
القضية بدأت عندما قام أحد الأشخاص بالتعليق على منشور لامرأة عبر فيسبوك، فاعتبرت تعليقاته **إساءة لشرفها واعتبارها**، وتقدمت ببلاغ رسمي ضده تتهمه فيه بـ:
1. سبّها وشتمها بألفاظ تخدش الشرف والكرامة.
2. تعمّد إزعاجها عبر إساءة استخدام وسائل الاتصالات.
3. استخدام حسابه الشخصي على فيسبوك لتسهيل ارتكاب الجريمتين.
القضية أُحيلت إلى **المحكمة الاقتصادية**، التي عدّلت التهم وأضافت المادة (76/2) من قانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، وحذفت المادة (27) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
كما عدّلت وصف الاتهام الثالث ليصبح:
"انتهك حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها بالنشر على موقع الفيس بوك معلومات تخصها دون رضاها، سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة."
العنصر الثالث: أهمية عبارة «سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة»
هذه الجملة الواردة في الحكم تُعد من أخطر النقاط القانونية، لأنها توضح أن **مجرد نشر معلومات تخص شخصًا آخر دون إذنه، حتى وإن كانت صحيحة، يُعد انتهاكًا لخصوصيته**.
أي أن حسن النية لا يعفي من العقوبة.
فالقانون هنا لا يهتم فقط بصحة المعلومة، بل **برضا صاحبها عن نشرها**.
وهذا ما يضع المستخدمين أمام مسؤولية كبيرة في كل ما يكتبونه أو يشاركونه على صفحاتهم أو في التعليقات.
العنصر الرابع: الأحكام والعقوبات
قضت **محكمة أول درجة** بحضور المتهم بتغريمه مبلغ **50 ألف جنيه**، وتعويض مدني مؤقت للمدعية قدره **5 آلاف جنيه**.
لم يرضَ المتهم بهذا الحكم فاستأنف أمام **محكمة جنح مستأنف الاقتصادية**، التي أيدت الحكم الابتدائي.
ثم لجأ إلى **محكمة النقض** طالبًا إلغاء الحكم، مستندًا إلى أسباب منها بطلان إجراءات الفحص الإلكتروني وغياب إذن النيابة.
العنصر الخامس: قرار محكمة النقض وتحليله
أكدت **محكمة النقض** في حكمها التاريخي أن **فحص الصفحات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي يُعد مساسًا بالحياة الخاصة**، ولا يجوز قانونًا إلا بناءً على **إذن مسبّب من النيابة العامة** يوضح سبب الفحص وضرورته.
أي أن مجرد رغبة جهة التحقيق في الاطلاع على حساب المتهم دون مبرر محدد لا تكفي قانونًا.
تحليل الحكم:
* الحكم يعيد التأكيد على **مبدأ دستوري أصيل** وهو حرمة الحياة الخاصة.
* يوازن بين **حق الدولة في التحقيق** و**حق المواطن في الخصوصية الرقمية**.
* يُلزم جهات الضبط والتحقيق بعدم التوسع في فحص الحسابات الإلكترونية إلا بحدود الضرورة.
* يُعتبر سابقة قضائية مهمة في ضبط التعامل القانوني مع أدلة الإنترنت.
العنصر السادس: الدلالات القانونية والاجتماعية**
1. يضع الحكم **خطًا أحمر واضحًا** أمام أي جهة قد تتجاوز في فحص حسابات الناس دون إذن قانوني.
2. يُنبه مستخدمي السوشيال ميديا إلى أن **حرية التعبير لا تعني انتهاك الخصوصية أو الإساءة للغير**.
3. يُرسّخ لمفهوم أن العالم الافتراضي يخضع للقانون تمامًا مثل الواقع.
4. كما يلفت نظر المشرّعين إلى ضرورة **تطوير القوانين الإلكترونية بما يضمن توازن الحريات مع الأمن المعلوماتي*
العنصر السابع: الرسالة للمواطنين ورواد التواصل
* كن حذرًا في ما تكتبه أو تشاركه عبر الإنترنت.
* لا تنشر معلومات عن أحد دون إذنه، حتى لو كانت صحيحة.
* لا تفتح أو تنشر محتوى من صفحات الآخرين دون تصريح قانوني.
* اعرف أن خصوصيتك مصونة، ولا يجوز لأي جهة فحص حسابك دون إذن النيابة.
الخلاصة
هذا الحكم من محكمة النقض يُعد **سابقة قانونية مفصلية في حماية الخصوصية الإلكترونية** في مصر.
فهو يوضح أن **التكنولوجيا لا تُعفي من القانون**، وأن احترام الحياة الخاصة لا يتوقف عند حدود الواقع، بل يمتد إلى العالم الافتراضي بكل تفاصيله.
ومن الآن فصاعدًا، أي فحص أو اطلاع على صفحات التواصل يجب أن يكون **بإذن نيابة عامة مُسبب ومكتوب**، وإلا يُعد باطلًا قانونًا.