
العملة الجديدة في مصر. بين التطور الحديث والمشكلات الخفية التي أثارت الجدل
العملة الجديدة في مصر.
بين التطور الحديث والمشكلات الخفية التي أثارت الجدل

تسعى مصر منذ سنوات إلى تحديث بنيتها الاقتصادية والنقدية لمواكبة التطور العالمي، ومن أبرز خطوات هذا التحديث إصدار **العملة البلاستيكية الجديدة المصنوعة من البوليمر**، التي بدأت بالتداول رسميًا بفئتي العشرة والعشرين جنيهًا.
وقد روجت الحكومة للفكرة على أنها نقلة تكنولوجية نحو عملات أكثر أمانًا ونظافة واستدامة، إلا أن التجربة العملية أظهرت مجموعة من **المساوئ والملاحظات الواقعية** التي واجهها المواطنون منذ اليوم الأول لتداولها.
1. العملة البلاستيكية بين الفكرة والتطبيق
الفكرة من إنتاج العملة البلاستيكية جاءت لتقليل تكلفة الطباعة المستمرة للعملات الورقية، لأنها تُستهلك بسرعة في السوق المصري، بجانب مقاومتها للماء والعوامل الجوية.
لكن ما حدث فعليًا أن التطبيق كشف عن فروقات في الاستخدام اليومي، حيث لاحظ المواطنون أن هذه العملة رغم شكلها العصري، **ليست عملية تمامًا في الحياة اليومية** مقارنة بالعملة الورقية القديمة.
2. سهولة التمزق والتشقق رغم كونها بلاستيكية
كان يُفترض أن تكون العملة البلاستيكية أكثر قوة، لكنها في الواقع **تتعرض للتمزق من الحواف** عند طيها بشدة أو حفظها داخل المحافظ الضيقة.
كما أن الحرارة العالية داخل الجيوب أو السيارات تؤدي إلى **التقوس أو الالتصاق الجزئي**، ما يجعلها عرضة للتلف السريع، وهو ما يناقض فكرة "العملة الأطول عمرًا" التي تم الإعلان عنها في البداية.
3 غياب بيان رسمي يوضح كيفية التعامل مع العملات التالفة
من أكثر النقاط المثيرة للجدل أن **الحكومة لم تُصدر حتى الآن تعليمات واضحة** حول كيفية التصرف في حالة تلف العملة البلاستيكية أو التصاقها.
ففي الماضي، كان المواطن يعرف أن الورقة الورقية التالفة يمكن استبدالها في البنك إذا لم يتجاوز التلف نصفها.
أما الآن، فالوضع غامض؛ فحين تتعرض العملة الجديدة **للتمزق أو الالتصاق**، يرفض كثير من التجار والبائعين قبولها، لعدم وجود تعليمات رسمية تؤكد إمكانية التعامل بها أو استبدالها.
وهذا أدى إلى **رفض شعبي جزئي** لتداول بعض العملات المتضررة، وفقدان جزء من الثقة العامة في العملة الجديدة.
4. ملمس غير مألوف وصعوبة في التعامل اليومي**
يشكو كثير من المواطنين، خصوصًا كبار السن وأصحاب المحلات، من أن **العملة الجديدة زلقة الملمس**، مما يجعل الإمساك بها وعدّها صعبًا، خاصة عند التعامل السريع في الأسواق أو المواصلات.
كما أن الملمس الناعم أفقدها الإحساس التقليدي الذي اعتاد عليه الناس في العملات الورقية، مما جعل البعض يشعر بأنها **عملة تجريبية أو أقل قيمة** من الناحية النفسية.
5. مشكلة الالتصاق بين الأوراق**
من أبرز العيوب العملية أن أوراق العملة الجديدة **تلتصق ببعضها بسهولة**، خاصة في الصيف أو عند وجود رطوبة. وهذا يسبب ارتباكًا في العدّ أو فقدان بعض الأوراق دون قصد، وقد يؤدي إلى أخطاء في التعاملات النقدية اليومية، خصوصًا في الأسواق الشعبية أو المواصلات حيث لا يتاح الوقت للتدقيق.
6. صعوبة الكتابة أو التدوين عليها**
من العادات المتجذرة في المجتمع المصري كتابة أرقام أو ملاحظات على العملات الورقية، سواء لتسجيل ديون صغيرة أو أرقام هواتف. لكن المادة البلاستيكية **لا تسمح بكتابة واضحة**، لأن الحبر لا يثبت عليها، مما جعلها غير مناسبة لهذا الاستخدام الشعبي، وهو جانب بسيط لكنه يعكس اختلافًا واضحًا في طبيعة التعامل اليومي للمواطن مع العملة.
7. التشابه اللوني بين الفئات
لاحظ كثيرون أن **ألوان الفئات الجديدة متقاربة** إلى حد كبير، وخاصة بين فئتي العشرة والعشرين جنيهًا، مما يسبب التباسًا سريعًا أثناء الدفع أو العدّ، خصوصًا في الإضاءة الضعيفة أو بين كبار السن. وفي المقابل، كانت العملات الورقية القديمة أكثر وضوحًا من حيث اللون والتصميم، مما سهل تمييزها.
8. اعتراضات فنية وشعبية على التصميم
العملة الجديدة أثارت أيضًا انتقادات فنية، إذ يرى البعض أن تصميمها **أقل جاذبية من العملات الورقية القديمة** التي كانت تحمل صورًا لمعالم تاريخية وشخصيات وطنية شهيرة.
ويعتبر المنتقدون أن التصميم الجديد **ابتعد عن الهوية البصرية المصرية**، فبدت العملة أكثر بساطة لكنها أقل "روحًا" من سابقاتها.
9. تأثير بيئي بعد انتهاء عمرها
رغم أن العمر الافتراضي للبوليمر أطول من الورق، إلا أنه **غير قابل للتحلل الطبيعي**، ويحتاج إلى عمليات إعادة تدوير متخصصة.
وهو ما يعني أن التخلص من ملايين العملات التالفة مستقبلًا قد يمثل **عبئًا بيئيًا** إن لم تُجهز الدولة بخطط واضحة لإعادة تدويرها بشكل آمن.
10. بين التطوير والواقع: ماذا بعد؟
لا شك أن إصدار العملة البلاستيكية يمثل **خطوة تكنولوجية مهمة** في مسار تحديث النظام النقدي المصري، فهي مقاومة للماء، وأصعب في التزوير، وأطول عمرًا نظريًا.
لكن التطبيق الواقعي كشف عن حاجة ملحّة إلى **تحسين الخامة والتصميم، وتوضيح القواعد القانونية للتعامل معها** في حالات التلف أو الالتصاق.
كما أن نشر الوعي بين المواطنين والتجار حول كيفية حفظها واستخدامها سيقلل من سوء الفهم والرفض الشعبي الذي ظهر مؤخرًا.
الخلاصة
العملة البلاستيكية الجديدة في مصر خطوة جريئة نحو المستقبل، لكنها **ما زالت تحتاج إلى مراجعة وتطوير** لتناسب طبيعة الاستخدام اليومي للمواطن المصري. فالتطور لا يُقاس فقط بالتكنولوجيا، بل بمدى **راحة المواطن وثقته في التعامل النقدي**. ومع صدور بيان رسمي يوضح طرق الاستبدال والتعامل مع التلف، وتحديث التصميمات القادمة لتكون أكثر وضوحًا ومتانة، يمكن لهذه العملة أن تتحول من تجربة مثيرة للجدل إلى رمز حقيقي للتحديث المالي المصري.