المحامي حارس العدالة: لماذا يدافع عن المتهمين؟

المحامي حارس العدالة: لماذا يدافع عن المتهمين؟

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

المحامي حارس العدالة: لماذا يدافع عن المتهمين؟

image about المحامي حارس العدالة: لماذا يدافع عن المتهمين؟

عندما يُتهم شخص بجريمة ما، يثور في الأذهان سؤال محوري: كيف يجوز لمحامٍ أن يدافع عن شخص يعرف أنه مذنب؟ الإجابة على هذا السؤال لا تكمن في تبرير الجريمة، بل في فهم طبيعة العدالة ذاتها، وفلسفة النظام القضائي الذي يقوم على مبادئ وقيم إنسانية سامية.

**الدفاع عن المبدأ لا عن الفعل**

المحامي لا يدافع عن الجريمة بحد ذاتها، ولا عن الفعل الإجرامي، بل يدافع عن مبدأ "افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة". هذا المبدأ ليس مجرد شعار، بل هو حجر الزاوية في أي نظام قضائي عادل. فالتاريخ يروي لنا قصصاً مأساوية لأبرياء تم إدانتهم بسبب محاكمات غير عادلة، ولأناس حُرموا من حقوقهم الأساسية في الدفاع عن أنفسهم.

الحقوق ليست حكراً على الأبرياء

من الخطأ الفادح الاعتقاد أن الحقوق القانونية مخصصة للأبرياء فقط. فحق التزام الصمت، وحق الاستعانة بمحام، وحق الاطلاع على الأدلة، وحق محاكمة عادلة، كل هذه حقوق مكفولة لكل إنسان بغض النظر عن درجة إدانته. عندما نسلّم بمبدأ انتقائية الحقوق، فإننا نهدم أساس النظام القضائي برمته.

المحامي ليس شريكاً في الجريمة

يظن البخطأ أن المحامي الذي يدافع عن متهم مذنب هو شريك له في الجريمة. لكن الحقيقة أن المحامي يؤدي واجباً مهنياً وأخلاقياً وقانونياً. دوره يشبه دور الطبيب الذي يعالج مريضاً، بغض النظر عن شخصيته أو أفعاله. فالعدالة تحتاج إلى محامٍ يقف مع المتهم كما تحتاج إلى قاضٍ نزيه وإلى نيابة عادلة.

ضمان نزاهة الإجراءات

واحد من أهم أدوار المحامي هو ضمان نزاهة الإجراءات القانونية. فهو يتحقق من صحة جمع الأدلة، ويمنع استخدام أي وسائل غير قانونية مثل التعذيب أو التهديد للحصول على الاعترافات. كما يضمن احترام المواعيد القانونية، ويمنع انتهاك حقوق المتهم أثناء التحقيقات أو المحاكمة. هذه الرقابة ضرورية لحماية النظام القضائي من نفسه.

العدالة لا تعني الانتقام

ثمة فرق شاسع بين العدالة والانتقام. العدالة الحقيقية تهدف إلى إحقاق الحق ومعاقبة المذنب بعد محاكمة عادلة، بينما الانتقام يهدف إلى إيلام المتهم بأي ثمن. المحامي الذي يدافع عن متهم مذنب يساهم في الحفاظ على هذا الفارق الدقيق، ويضمن أن تكون العقوبة مناسبة للجريمة، ومتناسبة مع ظروفها.

حماية المجتمع ككل

عندما ندافع عن حقوق متهم مذنب، فإننا في الحقيقة نحمي المجتمع بأكمله. فالحقوق التي نكفلها اليوم للمتهم، قد نحتاجها غداً عندما نتهم ظلماً. النظام القضائي العادل يشبه الحصن الذي يحمي الجميع، والأقوياء فيه لا يستطيعون اضطهاد الضعفاء، والسلطة لا تستطيع طحن الأفراد.

التوازن بين الحقوق والواجبات

المحامي في النظام القضائي يمثل عنصر التوازن بين سلطة الدولة وحقوق الأفراد. فهو يذكر الدولة بأن سلطاتها ليست مطلقة، ويذكر المجتمع بأن العدالة يجب أن تكون شاملة وعادلة. بدون هذا الدور، يتحول النظام القضائي إلى أداة قمع rather than أداة عدل.

الخاتمة: دفاعاً عن العدالة ذاتها

في النهاية، الدفاع عن المتهمين، بغض النظر عن درجة إدانتهم، ليس دفاعاً عن الجريمة، بل هو دفاع عن العدالة ذاتها. إنه إيمان بأن النظام القضائي يجب أن يظل نزيهاً وعادلاً للجميع، وأن الحقوق ليست امتيازاً للأخيار فقط، بل هي مكفولة لكل إنسان لمجرد كونه إنساناً.

العدالة التي ننشدها لا تقاس بعدد المدانين، بل بعدالة المحاكمات، واحترام الحقوق، ونزاهة الإجراءات. وهذه هي العدالة الحقيقية التي يستحقها كل مجتمع، ويسعى إليها كل نظام قضائي worth its salt.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

57

متابعهم

72

متابعهم

732

مقالات مشابة
-