سباق التسلح النووي: العودة إلى حافة الهاوية.. هل نعيد لعبة الشطرنج الأكثر خطورة في التاريخ؟

سباق التسلح النووي: العودة إلى حافة الهاوية.. هل نعيد لعبة الشطرنج الأكثر خطورة في التاريخ؟

Rating 0 out of 5.
0 reviews

سباق التسلح النووي: العودة إلى حافة الهاوية.. هل نعيد لعبة الشطرنج الأكثر خطورة في التاريخ؟

مقدمة: لم يعد شبحًا من الماضي

لقرابة ثلاثة عقود، بعد سقوط جدار برلين وحل الاتحاد السوفيتي، ظن العالم أنه ودع كابوس سباق التسلح النووي. أصبحت الحرب الباردة فصلًا في كتب التاريخ، وكان السائد أن العقلانية سادت، وأن الترسانات النووية العملاقة باتت مجرد "رادع" متجمد في الزمن. لكن هذا الوهم بدأ يتهاوى بسرعة مقلقة. اليوم، نحن نشهد ليس فقط استئنافًا، بل تسارعًا غير مسبوق في سباق تسلح نووي جديد، أكثر تعقيدًا وخطورة من سابقه. إنه سباق تتقاطع فيه التقنيات الحديثة مع الجغرافيا السياسية المتوترة، مما يعيد إلى الأذهان أخطر سيناريوهات الحرب العالمية، ولكن بلوحة لعب مختلفة تمامًا.

الجزء الأول: جذور الكابوس.. لماذا عاد السباق من جديد؟

عودة السباق النووي ليست حادثًا عشوائيًا، بل هي نتاج تراكمي لعوامل متشابكة:

انهيار نظام الحد من الأسلحة: كان حجر الزاوية في الاستقرار النووي خلال الحرب الباردة هو سلسلة من المعاهدات، أبرزها معاهدة "ستارت" (START) ومعاهدة الصواريخ متوسطة المدى (INF). انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى عام 2019، وانسحاب روسيا لاحقًا، ومأزق تمديد معاهدة "نيو ستارت"، أمور فتحت الباب على مصراعيه لسباق جديد في تطوير صواريخ باليستية وصواريخ كروز محظورة سابقًا.

الصعود الجيوسياسي للصين: في السباق القديم، كان اللاعبون الرئيسيون هما واشنطن وموسكو. اليوم، دخل لاعب ثالث بقوة، وهو بكين، التي تقوم بأسرع توسع لترسانتها النووية في التاريخ. هذا التوسع يحول الديناميكية من ثنائية إلى مثلثية شديدة التعقيد، حيث يصبح أي تفاوض ثنائي بين القوتين العظميين غير كافٍ لضمان الاستقرار العالمي.

تطور التقنيات المربكة: لم يعد السباق مقتصرًا على زيادة عدد الرؤوس النووية. التقنيات الجديدة تغير قواعد اللعبة:

الأسلحة الهيبيرسونيك: صواريخ تفوق سرعة الصوت بخمسة إلى عشرين مرة، يصعب تتبعها واعتراضها، مما يقصر زمن رد الفعل من دقائق إلى ثوانٍ، ويزيد من خطر التصعيد السريع غير المحسوب.

الذكاء الاصطناعي والأتمتة: إدخال الذكاء الاصطناعي في أنظمة القيادة والسيطرة قد يسرع عملية اتخاذ القرار، لكنه يزيد أيضًا من مخاطر "الحرب الخاطئة" بسبب خلل تقني أو قراءة خاطئة للبيانات.

الحرب السيبرانية: أصبحت البنى التحتية الحيوية للدول، بما فيها أنظمة الإنذار المبكر النووية، أهدافًا محتملة للهجمات الإلكترونية، مما يخلق ثغرة جديدة قد تدفع بلدًا للاعتقاد بأنه يتعرض لهجوم نووي وهو ليس كذلك.

انتشار بؤر التوتر الإقليمية: التوتر في أوكرانيا، والمواجهة في تايوان، والأزمة النووية الإيرانية، والموقف المتقلب لكوريا الشمالية، كلها بؤر توتر تجعل الدول النووية تشعر بتهديد وجودي، فتلجأ إلى تعزيز ترساناتها كضمان أقصى للأمن.

الجزء الثاني: المشهد الجديد.. كيف يختلف سباق التسلح الحالي؟

السباق النووي في القرن الحادي والعشرين ليس مجرد تكرار للقرن العشرين. فروقات جوهرية تجعله أكثر إثارة للقلق:

من الثنائية إلى التعددية القطبية: كما ذكرنا، الانتقال من لعبة ثنائية (الولايات المتحدة vs الاتحاد السوفيتي) إلى لعبة متعددة الأطراف (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، مع وجود لاعبين إقليميين مثل الهند، باكستان، إسرائيل، وكوريا الشمالية) يجعل حساب التصعيد مستحيلاً تقريبًا. فصراع بين الهند وباكستان مثلًا قد يجذب القوى العظمى إلى دوامة لا يمكن الخروج منها.

نهاية "التدمير المؤكد المتبادل": خلال الحرب الباردة، كان مبدأ "التدمير المؤكد المتبادل" (MAD) هو الرادع الأساسي: أي هجوم نووي سيؤدي إلى تدمير البادئ. اليوم، تطوير أسلحة "أكثر استعمالاً" مثل الرؤوس النووية منخفضة العائد، والأسلحة الهيبيرسونيك، يخلق وهمًا خطيرًا بإمكانية خوض "حرب نووية محدودة" يمكن الفوز بها. هذا يقلل من عتبة استخدام السلاح النووي بشكل كارثي.

الحدود الضبابية بين النووي والتقليدي: دمج القدرات النووية والتقليدية في أنظمة الإطلاق نفسها (مثل الصواريخ التي يمكنها حمل رؤوس تقليدية أو نووية) يخلق حالة من الغموض. قد يهاجم بلد ما منشأة يعتقد أنها تقليدية، ليكتشف لاحقًا أنها تخزن أسلحة نووية، مما يؤدي إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه.

الجزء الثالث: سيناريو الكارثة.. كيف يمكن أن تندلع حرب عالمية نووية؟

في ظل هذه البيئة الهشة، لم يعد سيناريو الحرب العالمية النووية ضربًا من الخيال. إليك مسارًا متخيلًا، ولكنه مبني على مخاوف حقيقية للخبراء:

الشرارة: توتر إقليمي حاد، لنقل حول تايوان. خطأ في الحساب أو حادث بحري يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين القوات الأمريكية والصينية.

التصعيد السريع: في محاولة لتعطيل قدرات الخصم، تشن هجمات إلكترونية معقدة على أنظمة القيادة والسيطرة والإنذار المبكر للطرفين.

الخطأ القاتل: بسبب الهجمات الإلكترونية أو خلل تقني، يظهر على شاشات الرادار في أحد الطرفين ما يشبه هجومًا صاروخيًا هستيائيًا شاملاً. زمن رد الفعل لا يتعدى الدقائق.

خيار "الإطلاق عند الإنذار": في مواجهة ما يعتقده قادة ذلك البلد هجومًا نوويًا وشيكًا، يضطرون إلى اتخاذ قرار "الإطلاق عند الإنذار" لضمان أن صواريخهم لن تدمر في قواعدها، وللرد على المهاجم المُفترض.

الدومينو النووي: بمجرد إطلاق أول صاروخ نووي، تنطلق آلية التدمير. تعلن الدول الحليفة حالة التأهب القصوى. قد تعتقد روسيا، حليفة الصين التقليدية، أن الصواريخ الموجهة نحوها قادمة، فترد. قد تعلن كوريا الشمالية فرصتها للهجوم على الجنوب. قد تندفع الهند وباكستان إلى حافة الهاوية. في غضون ساعات، يصبح الكوكب بأكمله ساحة لهول لا يمكن تصوره.

الخاتمة: هل هناك مخرج من المتاهة؟

العودة إلى حافة الهاوية النووية هي الخيار الأكثر تهورًا في تاريخ البشرية. لا يوجد "فائز" في حرب نووية، فقط ناجون في عالم سيكون أشبه بجحيم على الأرض. المخرج لا يمر عبر سباق تسلح أعمى، بل عبر:

إحياء الدبلوماسية متعددة الأطراف: دفع الصين إلى طاولة المفاوضات للحد من الأسلحة الاستراتيجية هو حاجة ملحة، وإن كانت صعبة.

تأسيس قواعد جديدة للعب: وضع أطر ومعايير دولية للحد من انتشار الأسلحة الهيبيرسونيك، وتنظيم استخدام الفضاء السيبراني في المجال العسكري، ومنع تداخل الأسلحة النووية والتقليدية.

تعزيز الثقة: إعادة فتح قنوات اتصال مباشرة وعسكرية بين واشنطن وموسكو وبكين لمنع سوء الفهم في لحظات الأزمات.

الدرس الأهم من الحرب الباردة هو أن سباق التسلح النووي لعبة خاسرة للجميع. السؤال اليوم هو هل سنتعلم هذا الدرس قبل فوات الأوان، أم أننا سنضطر لتعلمه بطريقة أكثر قسوة؟ الساعة تدق، والعودة إلى الوراء أصبحت رفاهية لا يمكن تحملها.

image about سباق التسلح النووي: العودة إلى حافة الهاوية.. هل نعيد لعبة الشطرنج الأكثر خطورة في التاريخ؟
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

50

followings

7

followings

9

similar articles
-