قضية الايجار القديم بمصر بين العدالة الاجتماعية وحقوق الملكية

قضية الايجار القديم بمصر بين العدالة الاجتماعية وحقوق الملكية

تقييم 5 من 5.
2 المراجعات

 

 قضية الإيجار القديم في مصر

image about قضية الايجار القديم بمصر بين العدالة الاجتماعية وحقوق الملكية
 

 بين العدالة الاجتماعية وحقوق الملكية

تُعد قضية **الإيجار القديم** في مصر من أعقد القضايا الاجتماعية والقانونية، إذ ارتبطت بظروف اقتصادية وسياسية متعاقبة، وظلت محورًا للجدل بين الملاك والمستأجرين لعقود طويلة. فهي قضية تجمع بين البعد الاجتماعي المتمثل في حماية الفئات محدودة الدخل، والبعد الاقتصادي الذي يتعلق بحقوق الملاك في الاستفادة العادلة من ممتلكاتهم.

                                                                                              الجذور التاريخية للأزمة

 1- البدايات (الأربعينيات والخمسينيات)

مع تزايد الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، ارتفعت الإيجارات بشكل مبالغ فيه. دفع ذلك الدولة إلى التدخل عبر قوانين استثنائية حددت سقفًا للإيجار ومنعت المالك من طرد المستأجر، بهدف حماية الفئات الفقيرة والمتوسطة وضمان استقرارها السكني.

 2- حكومة يوليو 1952

اعتبرت الحكومة الثورية السكن قضية اجتماعية محورية، فأصدرت قوانين أشد صرامة لتثبيت الإيجارات عند مستويات منخفضة للغاية. كما مُنح المستأجر "حق الامتداد القانوني"، بحيث يمتد عقد الإيجار إلى الزوجة والأبناء بل والأحفاد في بعض الحالات، مما جعل العقود أشبه بعقود أبدية.

3- السبعينيات والثمانينيات

استمرت سياسة تثبيت الإيجار، بينما شهدت أسعار الأراضي ومواد البناء ارتفاعًا كبيرًا. شعر الملاك بظلم واضح، إذ أصبحت الإيجارات لا تكفي حتى لصيانة العقارات، في حين اعتبر المستأجرون أن الإيجار القديم هو ضمانتهم الوحيدة في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف الدخول.

                                                                                       بداية التغيير في التسعينيات

شهدت التسعينيات تحولات مهمة مع صدور **قانون الإيجار الجديد رقم 4 لسنة 1996**، الذي نص على أن العقود الجديدة تُبرم وفق حرية التعاقد بين المالك والمستأجر، بعيدًا عن تدخل الدولة. ورغم ذلك، ظلّت العقود القديمة قائمة كما هي، ما أدى إلى ازدواجية في النظام: شقق بالإيجار القديم الزهيد بجوار شقق بالإيجار الجديد المرتفع.

                                                                                                 الفارق بين النظامين

 1- قوانين ما قبل 1996 (الإيجار القديم)

* **تحديد إداري للأجرة**: الدولة هي من تحدد القيمة.
* **تثبيت الأجرة**: لا زيادة مهما تغيرت الظروف الاقتصادية.
* **الامتداد القانوني**: استمرار العقد للورثة.
* **انحياز للمستأجر**: حماية قوية من الطرد أو الزيادة.
* **عائد ضعيف للمالك**: إيجارات زهيدة لا تتناسب مع القيمة السوقية.

2- قانون 4 لسنة 1996 (الإيجار الجديد)

* **حرية التعاقد**: تحديد القيمة بالاتفاق بين الطرفين.
* **مدة محددة**: العقد ينتهي بانتهاء مدته.
* **لا امتداد قانوني**: العقد لا يُورث.
* **إمكانية الزيادة**: بالاتفاق بين المالك والمستأجر.
* **توازن نسبي**: استعادة المالك لحقوقه، مع زيادة أعباء المستأجر

                                                                                             القانون رقم 164 لسنة 2025

صدر **قانون 164 لسنة 2025** ليعيد تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر ويضع خريطة زمنية للخروج من أزمة الإيجار القديم  

أبرز أحكام القانون:

1. **تطبيقه**: يسري على الأماكن السكنية وغير السكنية الخاضعة لقوانين 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981.
2. **مدة انتقالية**:

  * سبع سنوات للوحدات السكنية.
  * خمس سنوات للوحدات غير السكنية.
3. **تحديد القيمة الإيجارية**: لجان محلية لتقسيم المناطق (متميزة – متوسطة – اقتصادية) وتحديد القيمة المناسبة مع زيادات سنوية 15%.
4. **أسباب إضافية للإخلاء**: منها ترك الوحدة مغلقة أكثر من سنة دون مبرر، أو امتلاك المستأجر لوحدة بديلة صالحة للسكن.
5. **إلغاء القوانين القديمة**: بعد انتهاء المدة الانتقالية، تلغى القوانين السابقة التي كانت تحكم الإيجارات القديمة.
6. **بدائل للمستأجرين**: منح الأولوية لتخصيص وحدات بديلة من الدولة للمستأجرين الذين يُخلون وحداتهم.

 

                                                                                             الإيجابيات والسلبيات 

الإيجابيات

* وضع حد نهائي للعقود الممتدة بلا نهاية.
* استعادة الملاك لحقوقهم بعد سنوات من التجميد.
* تنظيم سوق الإيجار بشكل أكثر عدالة وشفافية.
* توفير فترة انتقالية تمنح المستأجر وقتًا للتأقلم.

 السلبيات والمخاطر

* قد تمثل الزيادات عبئًا ماليًا كبيرًا على المستأجرين محدودي الدخل.
* صعوبة إيجاد بدائل مناسبة للبعض بعد انتهاء المدة.
* الحاجة إلى رقابة دقيقة لضمان عدالة لجان الحصر وتطبيق القانون بشكل متوازن.

                                                                                                                                                       خاتمة

قضية الإيجار القديم في مصر ليست مجرد خلاف قانوني، بل هي انعكاس لصراع بين **العدالة الاجتماعية** و**حقوق الملكية**. فمن ناحية، وفرت هذه القوانين مظلة حماية لملايين الأسر محدودة الدخل لعقود طويلة، ومن ناحية أخرى، عطّلت حقوق الملاك وأضعفت الاستثمار العقاري. وجاء القانون رقم 164 لسنة 2025 ليحاول تحقيق التوازن، عبر فترة انتقالية، وتحديد زيادات تدريجية، مع توفير بدائل للمستأجرين. ومع ذلك، يظل نجاح هذا القانون مرهونًا بقدرة الدولة على تطبيقه بمرونة وعدالة، بما يحفظ حق المالك والمستأجر معًا.


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

5

متابعهم

38

متابعهم

377

مقالات مشابة
-