**وابور الجاز: نارٌ صغيرة اضاءت حياةً كاملة**

 **وابور الجاز: نارٌ صغيرة اضاءت حياةً كاملة**

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

    **وابور الجاز: نارٌ صغيرة اضاءت حياةً كاملة**

 

مقدمة

               في ذاكرة الأجيال الماضية، يظلُّ **وابور الجاز** علامةً بارزة من علامات الحياة اليومية، وأيقونةً تُذكِّر بزمن البساطة والاكتفاء بالقليل. لم يكن مجرّد أداةٍ للطهو والتدفئة، بل كان جزءًا من حكايات البيوت والأسواق والرحلات، يربط بين رائحة الطعام ودفء العائلة. واليوم، ومع هيمنة أدوات الطهي الحديثة، صار الحديث عنه أقرب إلى استدعاء الذكريات وإحياء التراث.

image about  **وابور الجاز: نارٌ صغيرة اضاءت حياةً كاملة**

 . نشأة وابور الجاز وظهورة

                 ظهر وابور الجاز في أواخر القرن التاسع عشر مع تطوّر استخدام النفط ومشتقاته كوقود منزلي. انتقل من أوروبا إلى البلاد العربية بسرعة، خصوصًا في بدايات القرن العشرين، حيث وجد فيه الناس حلًّا عمليًا بديلاً عن الحطب والفحم. امتاز بسهولة حمله وتوفّره في الأسواق بأسعار مقبولة، فغدا جزءًا لا يتجزأ من بيوت الفقراء والأغنياء على حدٍّ سواء.   إذ وفّر نارًا سريعة ومستقرة مقارنة بالحطب والفحم. ومع قلة تكاليفه وسهولة تداوله، دخل إلى معظم البيوت، من الأكواخ البسيطة إلى الدور الكبيرة.

 مكوناتة  وآلية العمل

                   يتألف الوابور من خزان معدني يُملأ بالجاز (الكيروسين)، ومن مضخة صغيرة لضغط الهواء، ومن فوهة تخرج منها النار. عند تشغيله، يُسخَّن الرأس المعدني أولًا بلهب صغير، ثم يُضغط الهواء داخل الخزان، فيندفع الوقود ليحترق بلهبٍ أزرق ثابت. هذه البساطة في التصميم جعلته عمليًا، لكن تشغيله كان يتطلب مهارة وحذرًا، لأن أي خلل قد يؤدي إلى انطفاء النار أو تصاعد الدخان.     . ورغم بساطة تركيبته، احتاج إلى مهارةٍ في إشعاله وضبط ضغطه؛ لذلك كان الأطفال يتعلّمون من الكبار طرق تشغيله بحذر شديد.

  وظيفتة في الحياة اليومية

             كان وابور الجاز أداةً أساسية في **الطبخ**، إذ استُعمل في إعداد الشاي والقهوة والطعام اليومي. كما استُخدم في **التدفئة**، خصوصًا في المناطق الباردة أو في الليالي الشتوية. وكان الرفيق الأوّل للمسافرين والباعة المتجوّلين وأصحاب الورش الصغيرة، الذين احتاجوا إلى نارٍ سريعة لا تنطفئ بسهولة. ولا تزال صور الأمهات وهنّ يضعن إبريق الشاي على وابور الجاز، مشهدًا محفورًا في الذاكرة الشعبية.

 الرمزية الاجتماعية والثقافية

                      لم يكن وابور الجاز مجرّد وسيلة تقنية، بل اكتسب **بعدًا رمزيًا** في الثقافة العربية. فهو رمز للجدّ والكفاح، حيث ارتبط بالبيوت البسيطة والعمل اليومي الشاق. كما ورد ذكره في بعض الأمثال والحكايات الشعبية كدليل على الصبر والتحمّل. ولا غرابة أن نجده اليوم يُعرض في بعض البيوت والمتاحف كقطعة تراثية، تُذكّر الناس بجمال البدايات.

image about  **وابور الجاز: نارٌ صغيرة اضاءت حياةً كاملة**

 

. تراجعه أمام الحداثة

                  مع دخول **البوتاجاز** وأدوات الطهي الحديثة التي تعمل بالغاز الطبيعي أو الكهرباء، بدأ وابور الجاز يتراجع تدريجيًا. ومع ذلك، بقي حاضرًا في بعض القرى والمناطق النائية حيث تنقطع الكهرباء، أو حيث يحتاج الناس إلى وسيلة بديلة للطهو. وفي السنوات الأخيرة، صار يُباع أكثر باعتباره قطعةً تراثية أو للزينة، لا كأداة أساسية.

 بقاؤه في الذاكرة

                   مع دخول البوتاجاز وأجهزة الطهي الحديثة التي تعمل بالغاز والكهرباء، تراجع دور الوابور تدريجيًا. ومع ذلك، ظل حاضرًا في بعض القرى  من تاريخنا اليومي.-وما يميّز وابور الجاز أنه لم يكن أداة تقنية فحسب، بل أصبح **رمزًا ثقافيًا** ارتبط بالذاكرة الشعبية. فهو يذكّر الناس بحميمية التجمعات العائلية ورائحة الخبز والشاي، ويستحضر صورة الجدّات وهنّ ينفخن في النار لتشتعل أكثر. وفي بعض الحكايات الشعبية صار رمزًا للصبر والمثابرة، لأن تشغيله لم يكن سريعًا بل يحتاج إلى وقتٍ وتأنٍّ.

 . خاتمة

                  يُجسّد **وابور الجاز القديم** رحلة الإنسان مع الابتكار والاحتياج، من زمنٍ كانت فيه البساطة سيّدة الموقف، إلى حاضرٍ تحكمه التكنولوجيا السريعة. وبين هذا وذاك، يظل الوابور شاهدًا على جيلٍ عرف كيف يحوّل الأدوات البسيطة إلى رفيقٍ للحياة. وربما في استحضار ذكراه، دعوةٌ للتأمل في قيمة الأشياء الصغيرة التي صنعت حضارتنا اليومية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

33

متابعهم

336

مقالات مشابة
-