
فلسطين: الأرض التي خطّت التاريخ بدمها وحملت ذاكرة الإنسانية.
الجذور الكنعانية.. حيث بدأت الحكاية.
منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، نزلت القبائل الكنعانية العربية إلى هذه الأرض من جزيرة العرب، لتؤسس ما سُمّي لاحقًا بـ"أرض كنعان"، شيدوا مدنًا وحصونًا، وزرعوا الأرض قمحًا وزيتونًا، وتركوا وراءهم أقدم مدينة مأهولة في التاريخ: أريحا.
لم يكن الكنعانيون مجرد سكان، بل صُنّاع حضارة، اخترعوا الأبجدية التي انتقلت لاحقًا إلى الفينيقيين، ومنها إلى العالم، هذا الإرث الثقافي يؤكد أن فلسطين لم تكن يومًا "أرضًا بلا شعب"، بل موطنًا أصيلًا للإنسانية كلها.
يقول المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي: "ما من حضارة في شرق المتوسط إلا وكان لفلسطين دورٌ في ولادتها أو بقائها".
الفصل الثاني: ملتقى الحضارات والرسالات
تعرف فلسطين العزلة، بل كانت دومًا جسرًا للحضارات، عبرها الفراعنة إلى الشام، ودخلها الإسكندر المقدوني، وحكمها الرومان، وفي بيت لحم وُلد السيد المسيح عليه السلام، لتصبح الأرض المقدسة للمسيحية.
ومع الفتح الإسلامي عام 636م، دخل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القدس، ومنح أهلها "العهدة العمرية" التي ضمنت لهم حرية العبادة وحماية الكنائس، وبعدها، شيّد الأمويون قبة الصخرة والمسجد الأقصى، ليغدو المكان ثالث الحرمين الشريفين.
لم تكن فلسطين مسرحًا للتنازع فقط، بل أيضًا رمزًا للتعايش الديني؛ يهود ومسيحيون ومسلمون عاشوا فيها جنبًا إلى جنب قرونًا طويلة.
الفصل الثالث: النكبة.. حين تحول الوطن إلى خيمة.
بعد الحرب العالمية الأولى، وضعت بريطانيا يدها على فلسطين عبر الانتداب (1920-1948)، ونفذت وعدها لليهود بوطن قومي، جاء المهاجرون الأوروبيون أفواجًا، ومعهم فكرة "دولة إسرائيل".
عام 1948، حدثت النكبة: أكثر من 750 ألف فلسطيني طُردوا من قراهم، ودُمرت 500 قرية، وتحولوا إلى لاجئين في الشتات، لم تكن النكبة مجرد حدث سياسي، بل تحطيمًا لهوية شعب.
كتب المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي: "النكبة ليست حدثًا في الماضي، بل عملية مستمرة، لأن آثارها ما زالت تتجدد يوميًا".
الفصل الرابع: من النكسة إلى الاحتلال المستمر..
عام 1967، وقعت النكسة: احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، ومنذ ذلك الحين، يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال العسكري الأطول في التاريخ الحديث.
• الاستيطان: مئات المستوطنات شُيّدت في الضفة الغربية، مخالفة للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن 2334.
• القدس: محاولات تهويد مستمرة، ومصادرة أراضٍ، وهدم منازل، وتهديد للوجود الفلسطيني.
• غزة: حصار خانق منذ 2007، وصفته الأمم المتحدة بأنه حول القطاع إلى "أكبر سجن مفتوح في العالم".

الفصل الخامس: المقاومة.. حين تتحول الحكاية إلى فعل.
لم يستسلم الفلسطينيون، بل ابتكروا أشكالًا متعددة من المقاومة:
• المقاومة المسلحة: من الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، إلى صمود غزة في وجه الحروب.
• الانتفاضات: من حجارة الأطفال عام 1987 إلى هبّات القدس والأقصى.
• المقاومة الثقافية: الأدب والشعر والفن. كتب غسان كنفاني عن "أرض البرتقال الحزين"، وغنى محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
هذه المقاومة لم تكن فقط ضد الاحتلال، بل أيضًا من أجل إثبات الوجود. الصمود أصبح هوية، والزيتون صار راية، والقصيدة سلاحًا.
الخاتمة: فلسطين.. ذاكرة المستقبل
اليوم، لا تمثل فلسطين قضية شعب واحد فقط، بل قضية إنسانية كبرى. هي اختبار للعالم: هل يمكن أن تنتصر العدالة يومًا؟
فلسطين ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل حلم للمستقبل، حلم بأن يعود اللاجئون إلى بيوتهم، وأن تُفتح أبواب القدس لكل مؤمن، وأن تبقى شجرة الزيتون شاهدًا على أن الأرض لا تُباع، والذاكرة لا تُمحى.
وكما قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "فلسطين ليست مجرد وطن ضائع، بل هي استعارة للحرية التي لم تولد بعد".