مستقبل المياه العذبة ونقصها المقلق

مستقبل المياه العذبة ونقصها المقلق

0 المراجعات

مستقبل المياه العذبة ونقصها المقلق

تخيل عالماً يصبح فيه فتح الصنبور للحصول على الماء أمراً نادراً، حيث يرى المزارعون محاصيلهم تذبل بسبب نقص الري، وحيث تُجبر المجتمعات على الهجرة بحثاً عن الماء. هذا ليس خيالاً، بل واقع محتمل إذا لم نتصدى لنضوب الموارد المائية العذبة. كما حذر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشابا كوروسي، "نواجه أزمة مائية تهدد قدرتنا على زراعة الغذاء، وتوليد الطاقة، ودعم النظم البيئية الصحية". بحلول عام 2030، من المتوقع أن يتجاوز الطلب العالمي على المياه العذبة العرض بنسبة 40%، مما يبرز الحاجة الملحة للعمل الآن.

الوضع الحالي للموارد المائية العذبة

يشكل الماء العذب 3% فقط من مياه العالم، ومعظمه محبوس في الجليد أو في الخزانات الجوفية. يتعرض الماء العذب القابل للاستخدام لضغوط هائلة. وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن نصف دول العالم تعاني من تدهور أنظمة المياه العذبة، بما في ذلك انخفاض تدفق الأنهار، تقلص البحيرات، وتلوث المياه الجوفية.

تشير دراسة حديثة نشرت في Science Advances إلى أن 75% من سكان العالم، في 101 دولة، يفقدون المياه العذبة منذ عام 2002، حيث يأتي 68% من هذا النقص من استنزاف المياه الجوفية، مما يساهم بشكل أكبر في ارتفاع مستوى سطح البحر مقارنة بذوبان الجليد. يفتقر 1.1 مليار شخص إلى مياه الشرب الآمنة، ويعاني 2.7 مليار من نقص المياه لمدة شهر على الأقل سنوياً، مما يؤثر على الصحة والاقتصادات.

أسباب نضوب المياه العذبة

تتعدد أسباب نضوب المياه العذبة، وتشمل:

  1. التغير المناخي: يغير أنماط هطول الأمطار، مما يؤدي إلى جفاف أكثر شدة وتكراراً في بعض المناطق وفيضانات في أخرى. تزيد درجات الحرارة المرتفعة من معدلات التبخر، مما يقلل من المياه المتوفرة في الأنهار والبحيرات. على سبيل المثال، تسبب الاحترار العالمي في تقلص تدفق نهر اليانغتسي في الصين بنسبة 13.9% منذ التسعينيات.
  2. النمو السكاني: تضاعف عدد سكان العالم خلال الخمسين عاماً الماضية، مما زاد الطلب على المياه للشرب والصرف الصحي والزراعة. يعيش 41% من سكان العالم في أحواض أنهار تعاني من الإجهاد المائي.
  3. الزراعة: تستهلك الزراعة 70% من المياه العذبة عالمياً، لكن 60% منها يُهدر بسبب أساليب الري غير الفعالة. في مناطق مثل الهند والصين، تؤدي الزراعة إلى استنزاف كبير للمياه الجوفية.
  4. التلوث: تلوث المياه من المبيدات الحشرية، الأسمدة، والمياه العادمة غير المعالجة يجعل العديد من المصادر غير صالحة للاستخدام. على سبيل المثال، أصبح بحر أرال، الذي كان رابع أكبر بحيرة عذبة، مالحاً بسبب التلوث وإعادة توجيه المياه.
  5. الاستخراج غير المستدام للمياه الجوفية: تُستخرج الخزانات الجوفية بمعدلات تفوق إعادة تعبئتها الطبيعية. تشير دراسة إلى أن 21 من أصل 37 من أكبر الخزانات الجوفية في العالم تتراجع، من الهند والصين إلى الولايات المتحدة وفرنسا.

تأثيرات نقص المياه العذبة

تترك هذه الأزمة آثاراً عميقة:

  • الصحة البشرية: يؤدي نقص المياه النظيفة إلى انتشار أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد. يفتقر 2.4 مليار شخص إلى الصرف الصحي الكافي، ويموت 2 مليون سنوياً، معظمهم أطفال، بسبب الأمراض الإسهالية.
  • الزراعة: يؤدي نقص المياه إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، مما يهدد الأمن الغذائي. المحاصيل مثل التفاح والكرز حساسة بشكل خاص للجفاف.
  • التنوع البيولوجي: تم تدمير 50% من الأراضي الرطبة منذ عام 1900، مما يهدد الأنواع التي تعتمد عليها ويقلل من خدمات النظام البيئي مثل تنقية المياه.
  • الاقتصاد: ترتفع تكاليف معالجة المياه، وتواجه الصناعات تكاليف تشغيلية أعلى. قد تؤدي المنافسة على المياه إلى نزاعات، كما حدث في كيب تاون التي واجهت "يوم الصفر" عندما كادت إمدادات المياه تنفد.

التوقعات المستقبلية

تشير التوقعات إلى تفاقم الأزمة. بحلول عام 2025، قد يواجه ثلثا سكان العالم نقصاً في المياه. تتوقع لجنة الأمم المتحدة الدولية المعنية بتغير المناخ أن تصبح المناطق الرطبة أكثر رطوبة والمناطق الجافة أكثر جفافاً، مما يزيد من عدم المساواة في توافر المياه.

تكشف دراسة Science Advances أن المناطق الجافة تتوسع بمعدل يعادل ضعف مساحة كاليفورنيا سنوياً، مع نقطة تحول في 2014-2015 خلال سنوات والتي سرعت من استنزاف المياه الجوفية. تحدد الدراسة أربع مناطق رئيسية للجفاف: جنوب غرب أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى، ألاسكا وشمال كندا، شمال روسيا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد تواجه فجوة بنسبة 40% بين العرض والطلب بحلول عام 2030، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية.

حلول لأزمة المياه

يتطلب التصدي لهذه الأزمة نهجاً شاملاً:

  1. تحسين كفاءة استخدام المياه: يمكن لتقنيات مثل الري بالتنقيط والزراعة الدقيقة تقليل استهلاك المياه في الزراعة. يجب إيقاف الدعم الحكومي بقيمة 700 مليار دولار للزراعة واستخراج المياه الذي يشجع على الإفراط.
  2. الاستثمار في البنية التحتية: بناء الخزانات، تحسين أنظمة التوزيع، وتطوير محطات التحلية يمكن أن يعزز الإمدادات.
  3. حماية النظم البيئية: استعادة الأراضي الرطبة والغابات التي تنظم المياه وتنقيها أمر حيوي.
  4. تنظيم استخدام المياه: فرض لوائح صارمة على استخدام المياه والتلوث، وإدارة المياه كمورد عام، وإيقاف تسعيرها بأسعار منخفضة.
  5. التعاون الدولي: أبرز مؤتمر الأمم المتحدة للمياه عام 2023، الأول منذ 1977، ضرورة وضع المياه في قلب العمل العالمي للمناخ والتنوع البيولوجي.

دعوة للعمل

يمكن لكل فرد المساهمة في الحفاظ على المياه من خلال إصلاح التسربات، استخدام أجهزة موفرة للمياه، والتوعية بالاستهلاك اليومي. دعم السياسات التي تعزز إدارة المياه المستدامة أمر حاسم. بالعمل معاً، يمكننا ضمان أن تظل المياه العذبة مورداً وفيراً ونظيفاً للأجيال القادمة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

1

متابعهم

3

مقالات مشابة