الدعوى الجماعية الفرنسية

الدعوى الجماعية الفرنسية

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات


في النظام القانوني الفرنسي، تشكل الدعوى الجماعية (action de groupe) آلية مبتكرة لحماية المستهلكين تم إقرارها بشكل تدريجي منذ عام 2014، حيث تعود الجذور التاريخية لفكرة الحماية الجماعية للمستهلكين في فرنسا إلى سبعينيات القرن الماضي مع ظهور حركات حماية المستهلك، لكن التطور الحقيقي جاء مع التوجيه الأوروبي 2009/22/EC الذي دفع المشرع الفرنسي إلى تبني نظام قانوني متكامل للدعاوى الجماعية، وقد تم تنظيم هذه الدعوى بدقة في الكتاب الثالث من قانون حماية المستهلك الفرنسي (Code de la consommation) تحت عنوان "الإجراءات الجماعية لتعويض الأضرار الفردية التي تلحق بالمستهلكين"، حيث حددت المادة L423-1 الشروط الأساسية لإقامة الدعوى الجماعية والتي تتطلب أن يكون الضرر ناتجاً عن نفس الممارسة المهنية وأن يكون قد لحق بمجموعة من المستهلكين في وضعية مماثلة، ومن الجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي قد قيد حق رفع هذه الدعوى بالجمعيات المعتمدة فقط وفقاً للمادة L423-2 والتي تشترط أن تكون الجمعية معتمدة على المستوى الوطني وأن يكون من بين أهدافها الأساسية حماية مصالح المستهلكين، وقد تطورت التشريعات المنظمة للدعوى الجماعية بشكل ملحوظ منذ قانون 2014، حيث أدخل قانون العدالة في القرن الحادي والعشرين (loi n°2016-1547 du 18 novembre 2016) تعديلات مهمة على نظام الدعوى الجماعية، ثم جاء قانون الصحة العامة (loi n°2016-41 du 26 janvier 2016) ليمدد نطاق تطبيقها إلى مجال الصحة، كما وسع قانون تنظيم النظام الصحي (loi n°2019-774 du 24 juillet 2019) من نطاق الدعوى الجماعية ليشمل الأضرار الناتجة عن المنتجات الصيدلانية، وفي الجانب القضائي، شهدت المحاكم الفرنسية العديد من القضايا البارزة التي ساهمت في تشكيل الاجتهاد القضائي حول الدعوى الجماعية، ومن أبرزها قضية جمعية UFC-Que Choisir ضد شركة Google France (Tribunal de grande instance de Paris, 28 janvier 2021) والتي اعتبرت سابقة في تطبيق الدعوى الجماعية في مجال حماية البيانات الشخصية، وكذلك قضية جمعية CLCV ضد فولكسفاجن (Cour d'appel de Paris, pôle 1 - chambre 1, 7 décembre 2020) التي أقرت مبدأ المسؤولية الجماعية للشركات في حالات الغش الصناعي، ومن الناحية الإجرائية، فإن الدعوى الجماعية تمر بعدة مراحل دقيقة منصوص عليها في المواد من L423-3 إلى L423-15 من قانون حماية المستهلك، حيث تبدأ بمرحلة التحقق من قبول الدعوى أمام المحكمة الكبرى (Tribunal judiciaire) التي تختص بنظر هذه الدعاوى وفقاً للمادة R423-1، ثم تأتي مرحلة الحكم بالتعويضات التي قد تكون فردية أو نمطية حسب طبيعة الضرر، وقد أثار تطبيق الدعوى الجماعية في فرنسا العديد من الإشكاليات العملية التي تم تناولها في الفقه القانوني الفرنسي، حيث أشار البروفيسور فرانسوا برونيه (François Brunet) في مؤلفه "الدعاوى الجماعية في القانون الفرنسي" إلى صعوبات إثبات العلاقة السببية في بعض القضايا الجماعية، بينما ناقشت البروفيسورة ماري-بيير بلان (Marie-Pierre Blin) في كتابها "حماية المستهلك" إشكالية تحديد نطاق المجموعة المستفيدة من الدعوى، ومن التطورات الحديثة في هذا المجال إدخال نظام الدعوى الجماعية البيئية بموجب قانون المناخ والمقاومة (loi n°2021-1104 du 22 août 2021) الذي أضاف الباب الثالث مكرر إلى قانون حماية المستهلك خصيصاً للدعاوى البيئية الجماعية، كما أن التوجيه الأوروبي 2020/1828 الذي دخل حيز التنفيذ في 2022 قد فتح آفاقاً جديدة للدعاوى الجماعية العابرة للحدود في فرنسا، وفي الختام يمكن القول إن الدعوى الجماعية في القانون الفرنسي قد تطورت من مجرد أداة تعويضية إلى آلية وقائية تهدف إلى تحقيق التوازن في العلاقات الاستهلاكية، مع الحفاظ على خصوصية النظام القانوني الفرنسي الذي يمزج بين التأثيرات الأوروبية والمبادئ القانونية الوطنية، وقد أكدت المحكمة الدستورية الفرنسية في قرارها رقم 2014-690 DC على دستورية هذه الآلية مع التأكيد على ضرورة مراعاة حقوق الدفاع للأطراف المهنية، وهذا ما يعكس التوازن الدقيق الذي يسعى المشرع الفرنسي إلى تحقيقه بين حماية المستهلكين وضمان عدالة الإجراءات.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-