الأزهر بين الخوذة والعمامة

الأزهر بين الخوذة والعمامة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الأزهر بين الخوذة والعمامة

مقدمة

منذ أكثر من ألف عام، يشعّ الأزهر الشريف كمنارة للعلم والدين في مصر والعالم الإسلامي. فهو ليس مجرد مؤسسة تعليمية، بل رمز للهوية الوطنية والدينية، ومركز للتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية التي مرّت بها البلاد.
وعلى امتداد تاريخه الطويل، 


image about الأزهر بين الخوذة والعمامة

 

 

 

 

image about الأزهر بين الخوذة والعمامة

نشأة الأزهر وتأسيسه

نشأ الأزهر في القاهرة عام 972م (361هـ) في عهد الدولة الفاطمية، حين أمر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي ببنائه كجامع جامع ومدرسة لنشر المذهب الإسماعيلي.
ومع مرور القرون، تحوّل الأزهر إلى جامعة عالمية للعلوم الشرعية واللغة العربية، يستقبل الطلاب من أنحاء العالم الإسلامي.

أول من تولّى مشيخة الأزهر رسميًا كان الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي عام 1679م، وذلك في العهد العثماني، ليبدأ تقليدًا استمر حتى اليوم في تعيين شيخ للأزهر يكون المرجعية الدينية العليا للمسلمين في مصر وكثير من أنحاء العالم.


الأزهر بين السلطة والشعب عبر العصور

منذ نشأته، ارتبط الأزهر بالسلطة السياسية بشكل أو بآخر، لكنه لم يكن مجرد تابع لها.

في العصر الفاطمي، كان وسيلة لترسيخ المذهب الشيعي الإسماعيلي.

مع صلاح الدين الأيوبي، تبدل دوره ليصبح حصنًا للمذهب السني.

في العصر المملوكي والعثماني، صار للأزهر استقلال نسبي، وبرز كمنبر للشعب يعبر عن مطالبه.

هذا التوازن بين الخضوع أحيانًا للخوذة، والتمسك باستقلالية العمامة أحيانًا أخرى، مكّنه من البقاء عبر العصور.


الأزهر والاحتلال الفرنسي: مقاومة العمامة للمدفع

مع دخول الفرنسيين مصر عام 1798م بقيادة نابليون بونابرت، حاول المحتل استمالة شيوخ الأزهر، لكن سرعان ما أدرك أن العمامة ليست أداة للسيطرة بل منارة للمقاومة.

احتضن الأزهر اجتماعات العلماء والناس لتنظيم ثورتي القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين.

تحوّل الجامع إلى "برلمان الشعب"، حيث خرجت الفتاوى والخطب لمواجهة "خوذة" المحتل بسلطة الدين والكلمة.

لقد جسدت تلك المرحلة أوضح صور الصراع بين المدفع الأوروبي والعمامة الإسلامية.


الأزهر ومحمد علي: تحديث الدولة وترويض العمامة

عندما جاء محمد علي باشا إلى الحكم مطلع القرن التاسع عشر، أدرك قوة الأزهر.

سعى إلى كسب العلماء ليستمد شرعية حكمه.

وفي الوقت نفسه، حاول الحد من نفوذهم بإنشاء المدارس الحديثة على النمط الأوروبي.

كان الأزهر في تلك الحقبة أمام معادلة صعبة: الحفاظ على دوره التقليدي مع مواجهة ضغوط التحديث التي جاءت تحت ظلال "خوذة" الدولة المركزية الصاعدة.


الأزهر والثورات الوطنية

لم يكن الأزهر بعيدًا عن الحراك الشعبي:

في ثورة أحمد عرابي 1882، ساند العلماء مطالب المصريين بالعدل والدستور.

في ثورة 1919، كان الأزهر منارة للوحدة الوطنية، حيث توحد المسلمون والمسيحيون في مواجهة الاحتلال البريطاني.

صار الأزهر هنا صوتًا للحرية في مواجهة خوذة الاستعمار.


الأزهر والدولة الحديثة بعد 1952

بعد ثورة يوليو، حاولت الدولة إدماج الأزهر في مشروعها الوطني.

صدر قانون تطوير الأزهر عام 1961، الذي وسّع مناهجه لتشمل العلوم الحديثة بجانب العلوم الشرعية.

لكن في المقابل، أُخضع الأزهر بشكل أكبر لسلطة الدولة، فأصبحت "الخوذة" أكثر حضورًا في إدارة العمامة.

ومع ذلك، ظل الأزهر محتفظًا بقدرة على التأثير في الرأي العام والحياة الدينية.


الأزهر ومواجهة التطرف

في العقود الأخيرة، ومع صعود الحركات المتطرفة، عاد الأزهر ليؤكد رسالته كحصن للاعتدال.

أنشأ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

عمل على تفنيد أفكار الجماعات الإرهابية، مؤكدًا على الوسطية.

وجد الأزهر نفسه يواجه خوذتين: خوذة الدولة التي تفرض سياساتها، وخوذة الجماعات المسلحة التي تستغل الدين للعنف.


الأزهر في العالم المعاصر

لم يعد الأزهر مجرد مؤسسة مصرية، بل جامعة عالمية يقصدها الطلاب من آسيا وإفريقيا وأوروبا.

ينشر فتاواه بعدة لغات.

يشارك في الحوار بين الأديان.

يحافظ على الاعتدال كطريق لمواجهة التطرف في الداخل والخارج.

هكذا تحولت العمامة إلى رمز عالمي يواجه محاولات الهيمنة سواء من خوذة المحتل أو خوذة المتطرف.


الخوذة والعمامة: دلالات رمزية

الخوذة: ترمز إلى القوة المادية، سواء سلطة الدولة أو سلاح الغزاة أو عنف الجماعات.

العمامة: ترمز إلى قوة الفكر والروح، وسلطة العلماء الذين يمثلون ضمير الأمة.

بينهما ظل الأزهر يبحث عن التوازن، فلا يخضع تمامًا للخوذة، ولا ينعزل عن المجتمع.


خاتمة

تاريخ الأزهر الشريف منذ نشأته عام 972م وحتى اليوم هو تاريخ مصر نفسها: صراع بين القوة والعلم، بين السيف والكلمة، بين السلطة والضمير.
فالأزهر لم يكن مجرد جامعة دينية، بل مؤسسة وطنية عالمية، قادت الشعب في مواجهة الغزاة، وحافظت على الهوية، وواجهت الفكر المتطرف.
ومنذ أول شيخ للأزهر محمد الخراشي في القرن السابع عشر وحتى شيوخه المعاصرين، ظل الأزهر منارة تحاول أن تجعل الدين في خدمة الإنسان، لا في خدمة السلطة أو الحرب.

وبين الخوذة والعمامة، سيبقى الأزهر شاهدًا على أن الكلمة أقوى من المدفع، وأن الفكر أبقى من السيف.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

17

متابعهم

34

متابعهم

1

مقالات مشابة
-