
النصب الإلكتروني باسم الشركات والدين
النصب الإلكتروني عبر البريد: كيف يستغل المحتالون أسماء الشركات واسم الله للإيقاع بالضحايا
المقدمة
شهد العالم في السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً للتجارة الإلكترونية، وهو ما جعل ملايين الناس يعتمدون على الإنترنت في التسوق، الدفع، وتبادل البيانات. غير أن هذا التطور الرقمي فتح الباب أمام أساليب جديدة من النصب والاحتيال، خصوصاً عبر ما يعرف بـ التصيد الإلكتروني (Phishing).
من أبرز صور هذا الاحتيال: رسائل بريد إلكتروني أو نصية يدّعي أصحابها أنهم يمثلون شركات عالمية معروفة مثل Shein أو غيرها، مع إضافة عبارات دينية وذكر اسم الله لإقناع الضحية بصدق الرسالة. فيجد الإنسان نفسه بين الثقة في شركة مشهورة وبين الثقة في الخطاب الديني، فيقع في المصيدة.
هذا المقال يسلّط الضوء على أساليب هؤلاء المحتالين، وكيفية تجنّبهم، وأهمية نشر التوعية المجتمعية لمواجهتهم.
كيف يعمل هؤلاء المحتالون؟
بريد إلكتروني مزيّف باسم شركة
يقومون بتصميم رسائل تبدو وكأنها رسمية، تُظهر شعار الشركة المعروفة وتُقدّم عروضاً مغرية مثل قسيمة شراء مجانية أو تخفيضات ضخمة.
إضافة طابع ديني
يبدأ البريد بعبارات مثل: "السلام عليكم"، "بسم الله"، أو "جزاك الله خيراً"، ليبث الطمأنينة في نفس القارئ ويجعله أكثر ثقة في محتوى الرسالة.
روابط خادعة
الرابط المرفق غالباً يكون قريباً من اسم الشركة لكنه مزيّف (مثلاً: shein-gift.shop بدلاً من shein.com). بمجرد الضغط عليه، ينتقل المستخدم إلى موقع مزيّف يشبه إلى حد كبير الموقع الرسمي.
جمع البيانات الحساسة
يطلب الموقع المزيف من الضحية إدخال بريده الإلكتروني، كلمة المرور، أو حتى بيانات البطاقة البنكية "لتأكيد الهوية"، وهنا تتم عملية سرقة المعلومات.
لماذا يستعملون الدين في عمليات الاحتيال؟
عنصر الثقة: الناس تميل إلى الاطمئنان لأي خطاب يحمل صبغة دينية.
الضغط النفسي: الضحية قد يشعر بالحرج أو الذنب إذا شك في رسالة تبدو "مؤمنة" أو "مبروكة".
التمويه: إدخال عبارات مثل "هذا رزقك من الله" أو "لا تضيع الفرصة" يُضعف شكوك المتلقي.
استغلال الأيمان الكاذبة في الاحتيال
من أخطر الأساليب التي يلجأ إليها المحتالون في رسائلهم هو الحلف بالله أو استعمال عبارات قوية مثل:
"والله إنها فرصة حقيقية"
"أقسم بالله أن هذا العرض صادق"
"نشهد الله أننا نريد لك الخير"
هذه الطريقة تهدف إلى التأثير العاطفي على المتلقي، فالمحتال يعرف أن الإنسان العربي والمسلم بطبيعته يحترم اسم الله ويثق فيمن يستعمل القسم. لكن الحقيقة أن هذا الاستغلال ليس سوى خديعة متعمدة، لأن من كان صادقاً لا يحتاج إلى كثرة الأيمان ولا إلى إقحام الدين في أمور تجارية أو إعلانات عبر البريد.
لماذا يلجأون إلى الحلف بالله؟
كسب ثقة عاجلة: المحتال يريد أن يزيل شكوك الضحية بسرعة.
إضعاف المقاومة النفسية: كثير من الناس يترددون في تكذيب من يحلف بالله.
إخفاء الطابع التجاري المريب: إدخال الدين في سياق تجاري يوهم القارئ أن الأمر ليس مجرد بيع وشراء، بل "رزق من عند الله".
كيف نكشف خدعتهم؟
الشركات العالمية لا تستعمل القسم بالله في رسائلها.
أي رسالة تجارية تبدأ بالحلف أو القسم دليل واضح على الاحتيال.
الصدق لا يحتاج إلى كثرة الأيمان: "فمن كان على حق فليعرض الدليل لا القسم".
علامات تكشف أن الرسالة مزيّفة
الأخطاء اللغوية والإملائية: الشركات العالمية لا ترسل رسائل مليئة بالأخطاء.
الروابط الغريبة: عند تمرير الفأرة فوق الرابط يظهر العنوان الحقيقي، فإذا لم يكن تابعاً للموقع الرسمي، فهو مزيّف.
طلب معلومات شخصية أو مالية: أي طلب لكلمة المرور أو بيانات البطاقة عبر البريد الإلكتروني دليل على الاحتيال.
العجلة والإلحاح: رسائل مثل "لديك 24 ساعة فقط للاستفادة" وسيلة ضغط نفسي.
الخطاب الديني غير المعتاد: الشركات لا تستخدم عادةً الدين في رسائلها التجارية.
كيف تحمي نفسك؟
لا تضغط على الروابط المشبوهة: إذا وصلتك رسالة غريبة، اذهب بنفسك إلى الموقع الرسمي للشركة عبر المتصفح.
تفعيل المصادقة الثنائية (2FA): تضيف طبقة أمان إضافية لحساباتك.
عدم مشاركة البيانات الشخصية: كلمة المرور أو البطاقة البنكية لا تُطلب عبر البريد.
تحديث التطبيقات والبرامج باستمرار: للحماية من الثغرات.
استخدام مضاد الفيروسات: يعطي تحذيراً عند محاولة الدخول إلى موقع خطير.
كيف ننشر الوعي ونفضح هؤلاء المحتالين؟
مشاركة المعلومات مع العائلة والأصدقاء: خصوصاً كبار السن الذين قد يكونون أقل خبرة بالتقنية.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: نشر منشورات وصور توضيحية للرسائل المزيفة.
التواصل مع الصفحات المحلية: الجمعيات والصفحات المجتمعية تستطيع المساعدة في نشر التحذيرات.
الإبلاغ عن الرسائل: إرسالها إلى مزود البريد أو السلطات المختصة.
التعليق في المنتديات والمواقع: فضح المواقع المزيفة عبر ترك تنبيهات للآخرين.
دور المجتمع في مواجهة النصب الإلكتروني
النصب الإلكتروني لا يضر الفرد فقط، بل المجتمع والاقتصاد ككل، إذ يؤدي إلى خسائر مالية وضياع الثقة في التجارة الإلكترونية. مواجهته تتطلب:
تثقيف الأجيال الجديدة: إدخال التربية الرقمية في المدارس لتعليم الأطفال كيفية التعامل الآمن مع الإنترنت.
حملات توعوية عبر الإعلام: التلفزيون، الراديو، والصحف يجب أن تنشر نصائح مباشرة للناس.
التعاون بين الأفراد: كل شخص مسؤول عن تحذير محيطه.
الخاتمة
المحتالون اليوم لم يعودوا يعتمدون على الطرق القديمة كالرسائل الورقية أو الاتصالات العشوائية فقط، بل صاروا يوظفون أسماء الشركات العالمية ويستغلون الدين واسم الله بل ويقسمون به كذباً لإقناع الضحايا. الوعي هو خط الدفاع الأول: كلما تعلّم الناس العلامات المميزة للاحتيال، زادت قدرتهم على حماية أنفسهم وأسرهم.
إن مسؤوليتنا الجماعية هي عدم الصمت: إذا وصلتنا رسالة مشبوهة، نحذّر غيرنا وننشر المعلومة على أوسع نطاق. بهذه الخطوة البسيطة يمكن أن نقطع الطريق أمام المحتالين، ونساهم في جعل الإنترنت فضاءً أكثر أماناً وثقة للجميع.