الأيام تمضي ولا نكاد  نراها .

الأيام تمضي ولا نكاد نراها .

0 المراجعات

 

       الأيام تمضي ولا نكاد نراها 

مُقَدِّمَةٌ

لِماذا نَشْعُرُ بِأَنَّ الوَقْتَ يَمُرُّ بِسُرْعَةٍ؟

كُلُّنا نُلاحِظُ بِأُمِّ أَعْيُنِنا تَسارُعَ الأَيّامِ في زَمانِنا الحاضِرِ، فَنَحْنُ في عَصْرِ السُّرْعَةِ، كَما يَقولونَ.

أَيّامٌ وَأَسابيعُ تَمُرُّ كَالبَرْقِ، لا نَكادُ نَشْعُرُ بِها. فَما إِنْ يَحُلَّ شَهْرٌ، حتّى نَتَفاجَأَ بِمُرورِ سَنَةٍ!

وَبِداخِلِنا قَلَقٌ، لأَنَّنا لَمْ نُنجِزْ كُلَّ ما عَلَيْنا مِن أَعْمالٍ وَمَسؤوليّاتٍ، فَنُعَلِّقُ قائلينَ: نَحْنُ في آخِرِ الزَّمانِ، وَالحَياةُ مُستَعجِلَةٌ.

وَلَكِن، هَل تَساءَلْنا: هَل مِن تَفْسيرٍ عِلْمِيٍّ لِهذا الإحساسِ بِتَسارُعِ وَتيرَةِ الوَقْتِ؟

 

 

التَّفْسِيرُ النَّفْسِيُّ وَالإدْراكِيُّ

الوَقْتُ، في مَفْهومِهِ الفِيزْيائِيِّ، يَسيرُ بِمُعَدَّلٍ ثابِتٍ، وَلَكِنَّ إدراكَنا لَهُ يَتَغَيَّرُ مَعَ التَّجْرِبَةِ وَالعُمْرِ.

في مَراحِلِ الطُّفولَةِ، تَكُونُ كُلُّ تَجْرِبَةٍ جَديدةٍ جُزءًا كَبيرًا مِن ذاكِرَتِنا، مِمّا يَجْعَلُ الأَيّامَ تَبْدو أَطْوَلَ وَأَكْثَرَ تَفْصيلًا.

أَمّا في مَراحِلِ البُلوغِ، فَتَتَكَرَّرُ الأَنْشِطَةُ اليوميَّةُ بِشَكلٍ روتينيٍّ، فَيُؤَدِّي ذلِكَ إِلى اخْتِصارِ الزَّمَنِ في ذاكِرَتِنا، فَنَشْعُرُ أَنَّ السَّنواتِ تَمْضي بِسُرْعَةٍ.

يُعْرَفُ هذا التَّأثيرُ في عِلْمِ النَّفْسِ بِاسمِ "تَأثيرِ التَّكْرارِ"، حَيْثُ يَقِلُّ إدْراكُنا لِلزَّمَنِ كُلَّما زادَتِ الأَنْشِطَةُ الرّوتينيَّةُ وَقَلَّتِ التَّجارِبُ الجَديدةُ.

وَلِذلِكَ، نَجِدُ أَنَّ العُطَلَ أَوِ التَّجارِبَ الجَديدةَ تَبْدو أَطْوَلَ في الذّاكِرَةِ مُقارَنَةً بِالأَيّامِ العاديَّةِ.

التَّفْسِيرُ العِلْمِيُّ وَالْبَيُولوجِيُّ

تُشيرُ بَعْضُ الأَبْحاثِ إِلى أَنَّ إدْراكَ الزَّمَنِ مُرْتَبِطٌ بِالنَّشاطِ العَصَبِيِّ في الدِّماغِ؛ فَمَع تَقادُمِ العُمْرِ، تَنْخَفِضُ سُرْعَةُ المُعالَجَةِ العَصَبِيَّةِ، مِمّا يُجْعِلُنا نَشْعُرُ بِأَنَّ الوَقْتَ يَمُرُّ بِسُرْعَةٍ.

لِأَنَّنا نَمْتَلِكُ نِقاطًا أَقَلَّ لِلرُّجوعِ إِلَيْها في ذاكِرَتِنا.

كَما أَنَّ هُناكَ ارْتِباطًا بَيْنَ مُسْتَوى "الدُّوبامين"، وَهُوَ ناقِلٌ عَصَبِيٌّ مَسؤولٌ عَنِ التَّحْفيزِ وَالِانْتِباهِ، وَبَيْنَ إدْراكِ الزَّمَنِ.

فَمَع تَقادُمِ العُمْرِ، يَقِلُّ إفْرازُ "الدّوبامين"، فَيَتَأَثَّرُ تَقديرُنا لِلزَّمَنِ، فَيَبْدو أَنَّهُ يَمْضي بِوَتيرَةٍ أَسْرَعَ.

 

 

دَوْرُ السَّهَرِ وَالاسْتِيقاظِ المُتَأَخِّرِ

مِن العَوامِلِ الَّتي تُزِيدُ مِن شُعورِنا بِسُرْعَةِ مُرورِ الوَقْتِ: السَّهَرُ وَالاسْتِيقاظُ المُتَأَخِّرُ.

فَالإِنْسانُ عِنْدَما يَسْهَرُ إِلى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ، فَإِنَّهُ يُضيِّعُ جُزءًا كَبيرًا مِن يَومِهِ في النَّوْمِ، فَيَشْعُرُ بِأَنَّ اليَومَ أَصْبَحَ أَقْصَرَ.

كَما أَنَّ السَّهَرَ يُؤَدِّي إِلى اضْطِرابِ السّاعَةِ البَيُولوجيَّةِ، فَيَنْتُجُ عَنْهُ إِرْهاقٌ وَتَوتُّرٌ، فَيَقِلُّ التَّرْكيزُ، وَتَبْدو الأَيّامُ وَكَأَنَّها تَمْضي دُونَ إِنْجازٍ يُذْكَرُ.

قالَ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "اللَّهُمَّ بارِكْ لِأُمَّتي في بُكُورِها" (رَواهُ أَبو داوود وَالتِّرْمِذِيُّ)، فَفي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى أَنَّ البَرَكَةَ وَالخَيْرَ في الاسْتِيقاظِ المُبَكِّرِ، حَيْثُ يَكونُ الذِّهْنُ صافيًا، وَالطّاقَةُ في أَعْلَى مُسْتَوَياتِها، فَنُنْجِزُ أَكْثَرَ، وَنَشْعُرُ بِأَنَّ اليَومَ أَطْوَلُ وَأَكْثَرُ إنتاجًا.

أَهَمِّيَّةُ الاسْتِيقاظِ المُبَكِّرِ وَصَلاةِ الفَجْرِ

ابْدَأْ يَومَكَ بِصَلاةِ الفَجْرِ.

الاسْتِيقاظُ المُبَكِّرُ، خُصوصًا مَعَ صَلاةِ الفَجْرِ، لَهُ أَثَرٌ عَظيمٌ في بَرَكَةِ الوَقْتِ وَالإِنْتاجِيَّةِ.

فَالنَّبِيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، كانَ يَحُثُّ عَلى البُكورِ وَالْعَمَلِ في أَوائِلِ النَّهارِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِفْتاحٌ لِلتَّوفيقِ وَالنَّجاحِ.

قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (الإِسْراء: ٧٨)،

وَفِيها إِشَارَةٌ إِلى عَظَمَةِ وَقْتِ الفَجْرِ، حَيْثُ تَشْهَدُهُ المَلائِكَةُ، وَهُوَ وَقْتُ الصَّفاءِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللهِ.

الاسْتِيقاظُ لِصَلاةِ الفَجْرِ يُساعِدُنا عَلى بَدْءِ اليَومِ بِنَشاطٍ وَعَزيمَةٍ، وَيَجْعَلُنا أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلى الإِنْجازِ، فَنَشْعُرُ أَنَّ يَومَنا مُمْتَلِئٌ وَبَعيدٌ عَنِ الفُتورِ.

 

 

كَيْفَ نُبْطِئُ الإِحْساسَ بِسُرْعَةِ مُرورِ الوَقْتِ؟

النَّومُ مُبَكِّرًا وَالاسْتِيقاظُ مُبَكِّرًا: لِتَنْظيمِ السّاعَةِ البَيُولوجيَّةِ وَتَزايُدِ النَّشاطِ وَالإِنْجازِ.

خَوْضُ تَجارِبَ جَديدةٍ: كَتَعَلُّمِ مَهاراتٍ أَوِ السَّفَرِ يُضيفُ مَحَطّاتٍ في الذّاكِرَةِ، فَيَبْدو الزَّمَنُ أَبْطَأَ.

العَيْشُ بِوَعيٍ: التَّأمُّلُ وَالِانْتِباهُ لِلتَّفاصيلِ يُعَزِّزُ الشُّعورَ بِالحاضِرِ.

تَقْليلُ الرُّوتينِ: حَتّى التَّغْييرُ البَسيطُ فِي العاداتِ يُضْفِي طَعمًا جَديدًا لِلأَيّامِ.

المُواظَبَةُ عَلى صَلاةِ الفَجْرِ: لِبَدايَةِ يَومٍ مُمْتَلِئٍ بِالنَّشاطِ وَالبَرَكَةِ.

الخِتامُ

شُعورُنا بِسُرْعَةِ مُرورِ الزَّمَنِ لَيْسَ وَهْمًا، بَل هُوَ نَتيجَةٌ لِعَوامِلَ نَفْسِيَّةٍ وَعَصَبِيَّةٍ وَسُلوكيَّةٍ.

وَلَكِن، بِإِمكانِنا التَّأْثيرُ في إِدْراكِنا لَهُ، مِن خِلالِ تَنْظيمِ حَياتِنا، وَالنَّومِ مُبَكِّرًا، وَصَلاةِ الفَجْرِ، وَإِغْناءِ أَيّامِنا بِتَجارِبَ ذاتِ مَعْنًى.

فَهَلْ حانَ الوَقْتُ لِتُعيدَ تَنْظيمَ يَومِكَ وَتَسْتَمْتِعَ بِاللَّحَظاتِ، قَبْلَ أَنْ تَمْضيَ بِسُرْع

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

32

متابعهم

53

متابعهم

11

مقالات مشابة