الكاتب بين الماضي والحاضر

الكاتب بين الماضي والحاضر

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

الْكَاتِبُ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ: 

الصُّعُوبَاتُ وَالتَّحَدِّيَاتُ وَالْحُلُولُ الْمُمْكِنَةُ

image about الكاتب بين الماضي والحاضر

مُقَدِّمَةٌ

ظَلَّ الْكَاتِبُ عَبْرَ الْعُصُورِ صَوْتَ الْإِنْسَانِ وَذَاكِرَتَهُ الْحَيَّةَ. 

فِي الْمَاضِي، كَانَ الْكَاتِبُ يَحْظَى بِمَكَانَةٍ سَامِيَةٍ، حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُجْتَمَعُ بِاعْتِبَارِهِ حَامِلًا لِمِشْعَلِ الْفِكْرِ، وَنَاقِلًا لِلْعِلْمِ، وَمُؤَرِّخًا لِلْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ. أَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدْ تَغَيَّرَتِ الظُّرُوفُ وَالْوَسَائِلُ، وَلَكِنْ جَوْهَرُ رِسَالَةِ الْكَاتِبِ لَمْ يَتَغَيَّرْ: أَنْ يَكْتُبَ مِنْ أَجْلِ إِحْيَاءِ الْمَعْنَى وَتَغْيِيرِ الْوَاقِعِ.

 وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَاتِبَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يُحَاوِلُ أَنْ يَعِيشَ مِنْ قَلَمِهِ، يُوَاجِهُ فِي الْحَاضِرِ تَحَدِّيَاتٍ كُبْرَى مَعَ دُورِ النَّشْرِ وَأَزْمَةِ الْمَقْرُوئِيَّةِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ فِي رِحْلَةِ بَحْثٍ دَائِمَةٍ عَنْ حُلُولٍ تَضْمَنُ بَقَاءَ صَوْتِهِ مَسْمُوعًا.

 

الْكَاتِبُ فِي الْمَاضِي: هَيْبَةُ الْكَلِمَةِ وَنُدْرَةُ الْمَقْرُوءِ

فِي الْقُرُونِ السَّابِقَةِ، لَمْ يَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ أَوْ يَنْشُرَ. كَانَتِ الْكِتَابَةُ حِكْرًا عَلَى قِلَّةٍ مِنَ النُّخْبَةِ الَّذِينَ امْتَلَكُوا أَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ، وَكَانَتِ الْكُتُبُ تُنْسَخُ يَدَوِيًّا أَوْ تُطْبَعُ بِصُعُوبَةٍ، مِمَّا جَعَلَهَا نَادِرَةً وَثَمِينَةً.

الْقَارِئُ حِينَذَاكَ كَانَ يَقْرَأُ بِتَمَعُّنٍ، وَيُدْرِكُ قِيمَةَ الْجُهْدِ الْمَبْذُولِ فِي كُلِّ سَطْرٍ، وَيُعَامِلُ الْكَاتِبَ بِاحْتِرَامٍ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ لِلْعِلْمِ وَالْفِكْرِ.

 

 

الْكَاتِبُ فِي الْحَاضِرِ: بَيْنَ وَفْرَةِ الْوَسَائِلِ وَنُدْرَةِ الْقُرَّاءِ

مَعَ تَطَوُّرِ التِّكْنُولُوجْيَا وَالِانْتِشَارِ الْوَاسِعِ لِلْإِنْتَرْنِتِ، صَارَ بِإِمْكَانِ أَيِّ شَخْصٍ أَنْ يَنْشُرَ كِتَابًا أَوْ مَقَالًا بِكَبْسَةِ زِرٍّ. وَرَغْمَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرِّيَّةَ فَتَحَتِ الْأَبْوَابَ أَمَامَ الْجَمِيعِ، فَإِنَّهَا أَوْجَدَتْ مُشْكِلَاتٍ جَدِيدَةً:

1. إِغْرَاقُ السُّوقِ بِالنُّصُوصِ السَّطْحِيَّةِ، مِمَّا جَعَلَ الْقَارِئَ فِي حَيْرَةٍ أَمَامَ الْكَمِّ الْهَائِلِ مِنَ الْمُحْتَوَى.

 

2. ضَعْفُ الْمَقْرُوئِيَّةِ، إِذْ يُفَضِّلُ الْكَثِيرُونَ الْوَسَائِطَ الْمَرْئِيَّةَ وَالسَّرِيعَةَ عَلَى قِرَاءَةِ الْكُتُبِ.

 

3. الصُّعُوبَاتُ مَعَ دُورِ النَّشْرِ، حَيْثُ تَتَحَوَّلُ الْعَلَاقَةُ إِلَى مُعَادَلَةٍ تِجَارِيَّةٍ بَحْتَةٍ.

 

الصُّعُوبَاتُ الَّتِي يُعَانِيهَا الْكَاتِبُ الْحَقِيقِيُّ

1. أَزْمَةُ النَّشْرِ الْوَرَقِيِّ

الْكَاتِبُ الَّذِي يَسْعَى لِإِخْرَاجِ كِتَابِهِ يَجِدُ نَفْسَهُ أَمَامَ دُورِ نَشْرٍ تَشْتَرِطُ مَبَالِغَ مُرْتَفِعَةً أَوْ نِسَبًا غَيْرَ عَادِلَةٍ.

2. قِلَّةُ الْمَقْرُوئِيَّةِ

الْكِتَابُ الْيَوْمَ يُعَانِي مِنْ مُنَافَسَةٍ شَرِسَةٍ أَمَامَ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.

3. ضَعْفُ الدَّعْمِ الْمُؤَسَّسِيِّ

فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ، تَغِيبُ سِيَاسَاتُ دَعْمٍ حَقِيقِيٍّ لِلْكُتَّابِ، مِمَّا يُزِيدُ الْعِبْءَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ.

4. صُعُوبَةُ الْعَيْشِ مِنَ الْكِتَابَةِ

يُجَاهِدُ الْكَاتِبُ لِيَجْعَلَ قَلَمَهُ مَصْدَرَ رِزْقٍ، وَيَظَلُّ بَيْنَ شَغَفِ الْكَلِمَةِ وَاحْتِيَاجَاتِ الْحَيَاةِ.

 

أَمْثِلَةٌ مِنَ الْكُتَّابِ الَّذِينَ وَاجَهُوا الصُّعُوبَاتِ

طَهْ حُسَيْن: عَانَى الْفَقْرَ وَالْعَمَى، وَلَكِنَّهُ أَصْبَحَ عَمِيدَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ.

نَجِيبُ مَحْفُوظ: رُفِضَتْ رِوَايَاتُهُ فِي الْبِدَايَةِ، ثُمَّ أَصْبَحَ رَمْزًا عَالَمِيًّا.

فِيكْتُور هُوغُو: نُفِيَ وَحُورِبَ، فَكَتَبَ "الْبُؤَسَاءَ" الَّتِي خَلَّدَتْهُ.

فْرَانْز كَافْكَا: لَمْ يُقَدَّرْ فِي حَيَاتِهِ، وَأَصْبَحَتْ كُتُبُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ أَهَمِّ الْأَعْمَالِ الْأَدَبِيَّةِ.

أَحْلَامُ مُسْتَغَانِمِي: وَاجَهَتْ عَرَاقِيلَ النَّشْرِ كَامْرَأَةٍ كَاتِبَةٍ، وَأَصْبَحَتْ مِنْ أَكْثَرِ الْأَدِيبَاتِ الْعَرَبِيَّاتِ انْتِشَارًا.

 

الْحُلُولُ الْمُمْكِنَةُ

1. الِاسْتِثْمَارُ فِي النَّشْرِ الْإِلِكْتُرُونِيِّ.

2. التَّسْوِيقُ الذَّاتِيُّ لِلْكِتَابِ عَبْرَ الْمَنَصَّاتِ.

3. التَّقْرِيبُ بَيْنَ الْكَاتِبِ وَالْقَارِئِ بِالْأَنْشِطَةِ الْمُبَاشِرَةِ.

4. إِعَادَةُ هَيْكَلَةِ دُورِ النَّشْرِ بِعُقُودٍ مُنْصِفَةٍ.

5. تَشْجِيعُ ثَقَافَةِ الْقِرَاءَةِ بِمُبَادَرَاتٍ وَطَنِيَّةٍ.

خَاتِمَةٌ

بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، ظَلَّ الْكَاتِبُ حَامِلًا لِرِسَالَةٍ خَالِدَةٍ: أَنْ يَزْرَعَ الْمَعْنَى وَيَحْفَظَ الذَّاكِرَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَحَدِّيَاتِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ الْحُلُولَ مُمْكِنَةٌ إِذَا اجْتَمَعَ وَعْيُ الْكَاتِبِ وَدَعْمُ الْمُجْتَمَعِ. فَالْكَاتِبُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَبْحَثُ عَنْ شُهْرَةٍ عَابِرَةٍ، بَلْ عَنْ قَارِئٍ يُحْيِيهِ فِي كُلِّ صَفْحَةٍ.

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

34

متابعهم

57

متابعهم

11

مقالات مشابة
-