ما معنى البلاغة ؟
إن دراسة النصوص التي وردت فيها كلمة البلاغة أو مشتقاتها في كتب الجاحظ بصفة عامة وكتاب البيان والتبيين بصفة خاصة تفيد أن الجاحظ كان يحمل لفظة " البلاغة" أكثر من معنى، منها:
1-البلاغة بمعنى الخطابة : فالبلاغة أتت في كثير من النصوص التي أوردها ملحوظا فيها معنى الخطابة، كما أتت الخطابة بمعنى البلاغة، وكثيرا ما نراه يضع لفظي البلاغة والخطابة في جملة واحدة مترادفين، كما يضع كلمة البليغ مرادفة لكلمة الخطيب.
ومما يزيد هذا المعنى وضوحاً ما أورده من قول الشاعر:
جمعت صفوف العي من كل وجهة *** وكنت حريا بالبلاغة من كثب
أبوك معم في الكلام ومخول *** وخالك وثاب الجراثيم في الخطب
ففي البيت الأول أتت كلمة " البلاغة" مقابلة لكلمة " العيّ" وفي البيت الثاني نرى أن المقصود بمقابل العيّ، أي " البلاغة" هو " الخطابة".
2-الخطابة بمعنى النثر: ولوحظ في الخطابة معنى النثر في قوله:" ولكل قوم ألفاظ حظيت عندهم، وكذلك كل بليغ في الأرض صاحب كلام منثور" وكل شاعر صاحب كلام موزون. فالبليغ هنا هو صاحب الكلام المنثور، والشاعر هو صاحب الكلام الموزون، والبلاغة موضوعها النثر. ونحو هذا قوله :" وأنه – الرسول – تحدى البلغاء، والشعراء، والخطباء بنظمه" ، فهنا نرى أن " البلغاء" بمعنى " الناثرين" وأنهم يوضعون مقابلين " للشعراء".
3-واتصلت كذلك باللسان والقلم: كقول بشر بن المعتمر: " فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك، وبلاغة قلمك ... إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة ، وتكسوها الألفاظ الواسطة ... فأنت البليغ التام". فالبلاغة هنا قد أسندت إلى القلم.
ونحو قوله:" وكان سهل بن هارون يقول: اللسان البليغ والشعر الجيد لا يكادان يجتمعان في واحد، وأعسر من ذلك أن تجتمع بلاغة الشعر وبلاغة القلم " . وهكذا نرى للشعر بلاغة، وللسان بلاغة، كما رأينا للقلم بلاغة.
4-والبلاغة بمعنى فنون القول: كذلك أتت البلاغة عنده أسما شاملا لفنون القول المختلفة، وذلك في قوله :" ونحن – أبقاك الله – إذا ادعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والإرجاز، ومن المنثور والمسجوع، ومن المزدوج وما لا يزدوج ...".
5-وتأتي البلاغة عنده كذلك وصفا للكلام واللفظ والمتكلم، وذلك إذ يقول:" إن الكلام لا يكون بليغا إلا إذا سابق معناه لفظه، ولفظه معناه، وإن اللفظ البليغ يقرر المعنى الشريف تقريراً يبلغ القلب ويتمكن من نفس السامع، وأن الواصف البليغ يجسم المعنى، ويصور الغائب حاضراً".
