علم الفلك العربي
عُني العرب في جاهليتهم بعلم النجوم، فكانت لهم ملاحظات فلكية تعلقت برصد بعض الكواكب والنجوم، وحركاتها وأحكامها بالنظر إلى الخسوف والكسوف وعلاقاتها بحوادث العالم من حيث الحظ والمستقبل والحرب والسلم والمطر والظواهر الطبيعية، وكانوا يسمونه علم التنجيم. فذكروا أسماء النجوم، وأول ما بدأوا به السرطان، " قرنا الحمل" ويسمونها " النطح" ، ثم يعدون البطين، ويُقال له" البطن"، وهي ثلاثة كواكب.
وقد انصب اهتمام العرب على منازل القمر، والتي بلغت عندهم 28 قسماً، عكس الهنود، الذين جعلوها 27 قسما، وشكلت معلوماتهم الفلكية هذه مسلكا خاصا لهم في استعمال منازل القمر.
وقد لجأ العرب إلى كبس السنين، عندما لاحظوا أن فصول السنة يختلف وقوعها في الأشهر القمرية بين سنة وأخرى، فعمدوا إلى النسيء، إلا أنه كان حسابا تقريبيا ومضطربا، ويبدو أنه كان محصورا بعائلات معينة مثل القلامسة، وكان فخر الدين الرازي والبيروني من أكثر العلماء العرب عناية بمسألة النسيء ودرسها.
وفي خزانة الكتب بالقاهرة في العهد الفاطمي، وجدت كرة سماوية نحاسية من عمل " بطليموس" ، مكتوب عليها" حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية"، وهو أمير أموي معروف بعنايته بالعلوم، فترجم زمنه وبعنايته أيضا كتاب " عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس".
إلا أن القفزة الهائلة كانت في العصر العباسي، ففي العصر العباسي الأول، سادت مقولة بأن العلوم ثلاثة، الفقه للأديان، والطب للأبدان والنجوم للأزمان، وكان الخليفة أبو جعفر المنصور، يقرب المنجمين، ويستشيرهم في أموره، وظل نونجت الفارسي المنجم، مصاحبا له إلى أن توفي، ثم استخدم ابنه، أبا سهل، ومن ثم إبراهيم الفزاري، وابنه محمد، وعلي بن عيسى الإسطرلابي المنجم وغيرهم.
بادر الخليفة، أبو جعفر المنصور، إلى علم الهيئة المحض، مستسقياً من موارد الهند، والذي دعاه إلى ذلك، أن رجلا هنديا جاء بغداد سنة 775م في جملة من وفد السند على المنصور، ومعه كتاب السند هند (سندهنت) ، والذي ألفه سنة 628م.
وأمر المنصور نفسه أصحاب الأرصاد في بغداد ودمشق، أن ينظروا زيج بطليموس القلوذي، ليثبتوا صحته ومن ثم يقيسوا درجة من خط نصف النهار، وزاد اهتمام المنصور بالفلك، فشجع المترجمون والعلماء، وأغدق عليهم العطايا، وخاصة أبي يحيى البطريق، الذي أغدق عليه حتى كان يحسد لكثرة ماله.
