المادي/ الروحي/ الفكري
محددات منطقية تساعد على معرفة الوةاقع والتمييز بين مستوياته المختلفة.
فالمادي هو ما يخص المادة ويتعارض مع الروحي والفكري والشكلي. فيقال: سبب مادي وحقيقة مادية أي له علاقة بالمادة.
والروحي هو ما يخص الروح وهي ليست شيئاً يدرك بالحواس أو في المكان. ويدل أيضاً على نظام الأشياء وعلى الأفكار الدينية. كما يتعارض مع المادي والزمني فيقال سلطة زمنية وسلطة روحية.
أما الفكري فهو ما يخص إدراك المفاهيم والأفكار العامة. وتنسب هذه الصفة أيضاً إلى الشخص الذي يتصدى لجميع القضايا انطلاقاً من التفكير المجرد، وبهذا المعنى يقال عنه إنسان غير واقعي وطوباوي.
إلا أن الفصل بين هذه المحددات الثلاثة يبدو غالبا فصلاً تعسفياً إلا من ناحية التمييز المعرفي البحث، نظراً للتداخل الشديد القائم فيما بينها. فلو أخذنا البنى السياسية مثلاً لقلنا أنها تدخل في نطاق ما هو روحي أو فكري إلا أن أجهزة الدولة وممارسة السلطة وهي جزء من البنية السياسية لها صفة مادية. ولو أخذنا القاعدة المادية في الاقتصاد لوجدنا أنها تتضمن عناصر مادية (المواد الأولية، الآلات قوة العمل طاقة) وروحية في الوقت نفسه (الآلات تسهم في تحقيق المعارف مثلها مثل تقنيات العمل وقوة العلم المتخصصة).
إذاً، التمييز بينها هو نسبي ومتحرك وتلعب هذه المحددات دوراً كبيراً في صياغة المفاهيم والمواقف السياسية وتصنيفها. لقد كان أوغست كونت يرى أن " النظام الوضعي يجعل من الحكومة أكثر روحية وأقل زمنية في تنظيم المسيرة الطبيعية للاجتماع البشري". كما أن الإيمان بما هو روحي أملى على رجال الدين القول بسيطرة الروح على الجسد والمطالبة بوضع القيم المادية والاقتصادية في خدمة القيم الروحية.
أما أصحاب النزعة الفكرية فإنهم يضعون قدرة العقل والفهم فوق القدرات الأخرى مما يستتبع مطالبتهم بحكم النخبة وتقديس التخطيط العقلاني.
وأصحاب النزعة المادية يضعون الفكر في خدمة المصالح المادية فكان غرامشي يعتبر أن المثقفين هم " موظفو البنية الفوقية" وكان يميزهم حسب انتماءاتهم إلى مختلف الطبقات المسيطرة أو المدعوة للسيطرة بسبب موقعها من آلية الإنتاج.
إذاً الإنسان في محاولته لفهم الواقع وتغييره يلجأ إلى استنباط أو استقراء أدوات معرفية . وما محددات المادي والفكري والروحي سوى إحدى هذه الأدوات.
