النقد الماركسي للاديولوجية الدينية

النقد الماركسي للاديولوجية الدينية

0 المراجعات

نقد الأيديولوجيا الدينية

 

         

           لقد اخذ مفهوم الأيديولوجيا حيزا كبيرا في مجموعة من الدراسات الماركسية. فبداية يمكن ان نعرف الأيديولوجيا على انها وعي مقلوب بالعلاقات الواقعية[1]. فهي انعكاس الحركة المذهبية الظاهرية للعلاقات القائمة في وعي ذوات الإنتاج وصياغة مذهبية لهذا الانعكاس بواسطة منظري الطبقة السائدة. اذن تكون بذلك صورة مقلوبة او مضللة للواقع. فالبشر وعلاقاتهم يبدون لنا من خلال الأيديولوجيا، مقلوبين على رؤوسهم، كما عدسة آلة التصوير[2]. ويكمن دورها في تبرير علاقات الإنتاج القائمة واضفاء الشرعية عليها، بالشكل الذي يجعل الفرد يقبل بواقعه ويسمح باستغلاله واضطهاده وتكون بذلك تعبيرا عن مصالح الطبقة المسيطرة في ميدان خاص كالاقتصاد والسياسة او ميدان عام كالدين والأخلاق والفلسفة...فهي تعد الفرد ليعكس القيم والمعايير المسيطرة ويساهم في حفظها وبقائها والأيديولوجيا بطبيعتها متغيرة موضوعيا بتغيير علاقات الإنتاج القائمة. لكن عندما تعصف رياح الصراع الطبقي باركان النظام القائم. عند ذلك تبدأ الأيديولوجيا المسيطرة بفقدان كونيتها كتعبير عن رؤيا المجتمع بأسره. فبرغبتها في إعطاء وجودها طابع ابديا، تقدم الطبقة المسيطرة من اجل ذلك أيديولوجيتها كنظام أفكار وسلوك لا طبقي صالح لكل المجتمع. وبذلك تحاول ان تجعل من مفهومها للعالم اسمنتا يمسك بإحكام كل البناء الاجتماعي معتمدة في ذلك على كهنتها او اديولوجييها[3].

  فمن الضروري الفهم بأن أي تشكيلة اجتماعية لا يمكن ان تضمن بقائها الا إذا اقترن الإنتاج بإعادة انتاج شروط الإنتاج[4]. اذن هذه المهمة تدخل في حيز العمل الأيديولوجي أساسا. وهذا يعني ان بالضرورة ان هذه الأيديولوجيا لا تقدم صورة الواقع كما هو، بل صورة مشوهة ومضللة له، أي تزييف للواقع. 

         اذن يبدو ان الأيديولوجيا تحاول اقناع الافراد انهم متساوون في الحقوق والواجبات، وبذلك هي تلغي العلاقات الطبقية المحكومة بمفهوم الاستغلال بواسطة معايير مضللة. فتقدم الوهمي كحقيقي والحقيقي كوهمي. ومقولات الأيديولوجيا لا تعتمد على أي أساس مادي واقعي او رؤية علمية، بل على مقولة جوهر الإنسان ذات الطابع الميتافزيقي والديني. فالمساواة الحقيقية يتم تغييرها بمساواة أخلاقية معنوية لا تمس جوهر العلاقات القائمة.

      نفهم من كل هذا اذن ان الأيديولوجيا ضرورة مطلقة لكل كلية اجتماعية وتشكل بذلك لحظة لا غنى عنها في كل نمط من أنماط الإنتاج بسبب دورها التاريخي الوظيفي في كل مجتمع وهي بذلك جزء عضوي من كل مجتمع. وتطور شكلها محكوم بتطور نمط الإنتاج. فكل أيديولوجيا سائدة هي مضللة بالضرورة، ثم انها تعكس تناقض المعرفة العلمية لأنها لا ترى الواقع كتناقض في حركة، بل ككيان متناغم متناسق انها تصالح التناقضات بالتضليل وهي بذلك لا تاريخية ولامادية تنطلق من المطلق، من الوحدة المتجانسة كي تعمي الوعي في نهاية المطاف وتشوه الممارسة. 

     فهذه الأيديولوجيا تتسم بكونيتها ومفهومها السكوني للعالم ومعاييرها الأخلاقية. فهي وفية لدورها في التمويه والتزييف. فهي تعتقد بأن الصراع الرئيس في المجتمع هو صراع بين كافر ومؤمن، حق وباطل، خير وشر، وهي بذلك تحجب اعين الفرد عن الصراع الحقيقي الذي هو الصراع الطبقي. وهذه الخطوة هي أولى خطوات تكريس الصراع القائم أي بتمويهه، اذن فالأفراد في نظر هذه الأيديولوجيا يتمايزون فيما بينهم ليس بالموقع الطبقي، بل بدرجة ايمان كل فرد. فهي ترسم واقع مغايرا وسعادة وهمية ذات منطلق مثالي. اذ ان ماركس ينطلق من كون التعاسة الدينية في شق منها تعبير عن التعاسة الواقعية وهي من جهة أخرى احتجاج على هذه التعاسة، الدين زفرة انسان مسحوق، روح عالم لا قلب له، كما انه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح، انه افيون الشعوب[1]. فهنا كارل ماركس يوضح الشق الأيديولوجي للدين في ربط استغلال الإنسان بإرادة السماء وقضاء وقدرها، ويبين ان الانسان المهضومة حقوقه يتذرع الى الله على انه القوة العادلة التي ستعيد له حقه وكرامته، ثم يصبح افيون الشعوب عندما يمنعها من التمرد على واقعها ويعمي بصيرة الانسان باسم إرادة الله وحكمته هي من تريد ذلك. فقد اعتبر ماركس مثلا ان المبادئ الاجتماعية للمسيحية قد بررت العبودية القديمة ومجدت قنانة العصور الوسطى وقبلت بواقع اضطهاد الانسان وأنها تبشر بضرورة طبقة مسيطرة وأخرى مضطهَدة ولم تقدم لهذه الأخيرة سوى الدعاء والورع بأن تكون الأولى محسنة لها[2]. وقد أضاف :>>ان المبادئ الاجتماعية للمسيحية تدعو الى التخاذل واحتقار الذات، الذل، الخنوع <<[3]. ان هذه التعاليم التي تجعل إنسانية الفرد تعود للصفر قد خلقت بالضرورة وتاريخيا علاقات تاريخية بين الدولة الطبقية والأيديولوجية الدينية. لأن هذه الذات تهدد بهوانها عنفوان المسيطر فيبقى هادئا في ملكوت اضطهاده. فأصلا هذه الأيديولوجيا الدينية تحتوي على أصول طبقية معينة تخدم القائم بما انها ولدت وبقيت في حقل الصراع الطبقي. وقد تغير شكلها من نمط انتاج الى اخر لكنها ظلت أداة فاعلة ترعاها وتشرعنها الطبقة المسيطرة كلما شعرت بالخطر وهي لصيقة بالسياسة طالما استمر الصراع الطبقي ولم تنجز البروليتاريا مهامها وتحطم اغلالها. فهذه الأيديولوجيا تعتمد على نصوص دينية تجرم أي محاولة لتغيير السائد. فعند الدعوة والتحريض على التمرد يخرج كاهن الطاغية ليقول ان هذا منافي لتعاليم الدين، وان فقرنا هو قضاء وقدر، ويضرب الامثال بفقر الأنبياء حتى يجعل من الفقر شيئا طبيعيا في المجتمع، ويجعل الانسان ينسب وضعه لله، ويحمله هو المسؤولية تحت اسم إرادته واختباره لعباده. فيلزم الشعب بطاعة الطغاة باسم نصوص دينية، في الإسلام مثلا نجد القرآن يقول:>>يا أيها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا <<.[4] فإيديولوجي الطبقة المسيطرة من رجال الدين يفسرونها على لزوم طاعة ولي الأمر أي الحاكم ولو كان ظالما، والخروج عن طاعته هو كفر وزندقة ولطالما اتهم الفكر اليساري بالكفر وانه دعوي للإلحاد. اذن نجد الى أي حد يكون هذا الارتباط بين الطغاة وكهنتهم. فعلى حد تعبير كارل ماركس ان الفقر لا يصنع الثورة وانما الوعي بالفقر هو من يصنع الثورة فالطاغية مهمته ان يفقرك وكاهن الطاغية مهمته ان يجعل وعيك غائبا[5].أي ان يجعلك تقبل واقعك باسم الدين. اذن يبدو ان الأيديولوجية الدينية تشكل في المجتمع الطبقي أيديولوجية من درجة ثانية، فعكسها للأساس الواقعي المادي يكون بواسطة البنية الفوقية. انها ليست محور ولا أساس الأيديولوجيا المسيطرة، بل أحد مركباتها. نرى اذن ان الأيديولوجية الدينية لا تتمتع بحق تقرير المصير وحق الاستقلال الذاتي. فالحياة المادية أي صراع الطبقات هي التي تقرر شكل هذا الاستقلال وتطوره على اعتبار انه ليس الوعي هو الذي يحدد الحياة المادية، بل الحياة المادية هي التي تحدد الوعي[6]. بالتالي فالمادية التاريخية قد كشفت حقيقة الأيديولوجيا الدينية كونها حاجب للصراع الطبقي. وهذه الأيديولوجيا هي في كل الأديان فحتى المسيحية نجد انها تؤمن بمساواة واحدة هي المساواة في الخطيئة[7]. يكون كذلك الدين أيديولوجيا او وهم عندما نجد ممارسه يقتل من يخالفه تحت ذريعة احتكار الحقيقة المطلقة والدين الصحيح فيجعل بذلك الصراع الديني صراعا تناحريا ويجعله رغما عنه يتجاوز طبيعته الثانوية وبذلك يساهم في تمويه الصراع وكل هذا تغذيه الطبقة المسيطرة لأنها في خدمتها ما دام يموهنا عن طبيعة الصراع الحقيقي.


 


[1]  ماركس وانجلز، حول الدين الأيديولوجيا الألمانية م. م ص 58

[2]  نفسه ص 58

[3] اديولوجييها: نقصد هنا ممارسي الأيديولوجية البرجوازية أي كل المثقفين والإعلاميين ورجال الدين...الذين يعملون على نشر أيدولوجية البرجوازية.

[4]  في خطاب كوجلمان في خطابات من رأس المال المطبوعات الاجتماعية ص 299

[1]  كارل ماركس، حول الدين، نقد فلسفة الحق عند هيجل م. م ص 34

[2]  ماركس، شيوعية المراقب الريناني ص 64

[3] نفسه ص 64

[4]  القرآن، سورة النساء الأية 59

[5] كارل ماركس 

[6]  ماركس وانجلز، حول الدين، الأيديولوجيا الألمانية م. م ص 58 بتصرف

[7]  نفسه ص 111

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

6

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة