
السرقات الشعرية: حدود الإبداع واستعارات التراث
مفهوم السرقة الشعرية
تُعرف السرقة الشعرية بأنها أخذ الشاعر بيتًا أو معنى أو لفظًا من شاعر آخر من غير عزو أو تنويه، سواء أكان ذلك بنقل مباشر أو بتصرف بسيط. وهي تختلف عن التناص أو التضمين أو التأثر، إذ ترتبط غالبًا بانتحال المعاني أو الكلمات دون الاعتراف بالمصدر.
أنواع السرقات الشعرية
قسم النقاد العرب السرقة الشعرية إلى أنواع متعددة، من أبرزها:
1.اللفظية: وهي أن يأخذ الشاعر نفس الألفاظ أو العبارات من غير تغيير يُذكر.
2.المعنوية: وهي أن يأخذ المعنى نفسه ويصوغه بكلمات مختلفة، وقد تكون أصعب كشفًا من اللفظية.
3.الاشتراك في المعاني: ويقع حين يتقارب أكثر من شاعر في المعنى بسبب عموميته، وهو ما يراه بعض النقاد مجرد توارد خواطر.
4.الإغارة: وتعني الاستيلاء الكامل على بيت شعري أو أكثر، مع نسبته إلى الشاعر السارق.
5.السلخ: وهو أن يأخذ الشاعر فكرة أو بيتًا ويعيد صوغه بشكل يموه به المصدر الأصلي.
موقف النقاد من السرقات الشعرية
اختلفت آراء النقاد حول السرقات الشعرية. فـالجرجاني، مثلًا، رأى أن جودة الشاعر تكمن في قدرته على التصرف في المأخوذ وتحويله إلى جديد. أما ابن رشيق القيرواني فقد صنّف السرقات ضمن "عيوب الشعر" إذا لم يكن فيها تجديد أو حسن تصرف. في المقابل، نجد ابن طباطبا العلوي يشير إلى أن الأخذ من السابقين لا يعيب الشاعر إن هو أضاف وأبدع.
بين الإبداع والتأثر
في عصر تتداخل فيه النصوص وتتناصّ المعاني، يبقى السؤال قائمًا: أين تنتهي حدود التأثر وتبدأ السرقة؟ في الحقيقة، إن الشعراء الكبار غالبًا ما تأثروا بمن سبقهم، لكنهم أعادوا تشكيل المعاني في صور جديدة تحمل بصمتهم الخاصة، مما يجعل الفرق واضحًا بين مَن يسرق، ومَن يستلهم ويجدد.
أمثلة مشهورة
من الأمثلة الشهيرة في التراث العربي، ما أُخذ على أبي تمام من استعارات لأشعار الطائيين والبحتري، وما نُسب إلى المتنبي من معانٍ سبق إليها غيره. ومع ذلك، فقد ظل هؤلاء في القمة، لأن قدرتهم على الصياغة والتجديد جعلت من المأخوذ أثرًا جديدًا لا يُشبه أصله.
خلاصة
السرقات الشعرية تظل موضوعًا شائكًا في النقد الأدبي، بين من يراها خيانة للأصالة، ومن يعدّها دليلًا على تفاعل الشاعر مع تراث أمته. والمقياس الحقيقي يظل في قدرة الشاعر على تحويل القديم إلى جديد، وعلى تقديم بصمته الخاصة في كل بيت يكتبه.