طرفة بن العبد: الشاعر الفارس في مرآة الديوان وصرخة المعلّقةط

طرفة بن العبد: الشاعر الفارس في مرآة الديوان وصرخة المعلّقةط

0 المراجعات
image about طرفة بن العبد: الشاعر الفارس في مرآة الديوان وصرخة المعلّقةط

ولد طرفة في البحرين حوالي سنة 543م، ونشأ يتيم الأب، ينتمي إلى قبيلة بكر بن وائل. ورغم صغر سنه (توفي في نحو السادسة والعشرين)، فقد ترك أثرًا بالغًا في تاريخ الشعر العربي. عُرف بالشاعر الفارس الذي لم تروضه السلطة، مما جعله ضحية لصراحته وتمرّده، إذ يُروى أن الملك عمرو بن هند قتله بسبب هجائه له.

سمات ديوانه ومضامينه

يتنوع ديوان طرفة بين عدة أغراض شعرية، من أبرزها:

1. الغزل

يعبر الغزل عند طرفة عن شغف فتيٍّ بالحياة، عاشقٍ للجمال، متمردٍ على الأعراف. يصف المرأة وصفًا جسديًا وجماليًا فيه دقة وحنان، كما في قوله:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ ... تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهرِ اليَدِ

في هذا المطلع الشهير لمعلقته، يظهر الحنين إلى الماضي، والحس الفني في رسم صورة محبوبةٍ غابت، لكنها لم تُمحَ من الذاكرة.

2. الوصف والفروسية

طرفة فارس شاعر، يفتخر بفرسه، ويصفه بأدق التفاصيل، كما يتباهى بقوته في ميادين القتال. في وصف فرسه يقول:

كأنّ فَراها مُوضِحٌ فوقَ دَأيةٍ ... يدافعُها باللّاحِجاتِ المُزَبَّدِ

تتجلى هنا مهارته في وصف الحيوان وقدرته على رسم المشهد الحركي بتقنيات تصويرية متقدمة.

3. الفخر والاعتداد بالنفس

طرفة ابن بيئة بدوية تقدّس الشجاعة والكرم والمروءة. يفخر بنفسه ويهاجم من يخونه أو يسلبه حقه. يقول:

وإنِّي لَتَعروني لَكَ الوَيلُ سَورةٌ ... كَما انتفَضَ العُصفورُ بلَّلهُ القَطرُ

في هذا البيت تجسيد لحالة الغضب والانفعال، تظهر فيها كرامته الجاهلية ورفضه للذل.

4. الحكمة وتأمل الحياة

رغم شبابه، أبدع طرفة في استخلاص العبر من الحياة، والتفكر في الموت والقدر ومآل الإنسان. يقول:

فَلَيتَ الغَداةَ غَداةَ الرَواحِ ... لَمِرَّتْ بِنَا قَبلَ مَولِدِنا

تبدو هذه الأبيات وكأنها فلسفة حُزنٍ عميق يسبق عمره القصير، ووعيًا مأساويًا بمصير البشر.

معلقة طرفة: صرخة الشاعر الحر

تتألف معلقته من نحو 104 أبيات، وتُعدّ من أكثر المعلقات نضجًا وبراعة فنية، رغم أن قائلها كان شابًا لم يتجاوز السادسة والعشرين. يبدأها بالغزل، كما هو التقليد، ثم ينتقل إلى وصف الفرس، ثم يتجه إلى التأمل في الوجود والحكمة، وينتهي به المطاف إلى هجاء ملك الحيرة، في نغمة تحدٍّ ساخرة:

إذا القومُ قالوا من فتى؟ خلتُ أنّني ... عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلّدِ

هذه الصيحة تمثل إيمان طرفة بذاته، وثورته على الجبن والخنوع، واستعداده للموت واقفًا.

اللغة والصور الفنية

يتسم شعر طرفة بلغته الصافية الجزلة، وسهولته الممتنعة، واستخدامه صورًا بيانية قريبة من الطبيعة البدوية، لكنها تحمل رؤية فنية متقدمة. تظهر المجاز والكناية والاستعارة بشكل مبدع، دون تصنّع أو تكلف.

طرفة بين التمرد والمأساة

كان ديوان طرفة صدىً لحياته القصيرة المليئة بالصراعات، إذ اصطدم بالحكام والنُظم التقليدية، فعوقب بالموت. لكن هذه النهاية المأساوية كرّسته في الذاكرة العربية شاعرًا حرًا، ثائرًا، ومتفردًا.

الخاتمة

يُجسّد ديوان طرفة بن العبد نموذج الشاعر العربي الحر، الذي مزج بين الفروسية والفن، وبين الحكمة والتمرّد، فكتب شعرًا خالدًا، تجاوز الزمان والمكان. لقد خلّدت "معلقته" اسمه بين عمالقة الشعر العربي، ليبقى صوتًا حيًّا يُنشد في المدارس والمحافل، ويتردد في كتب النقد والتاريخ.

طرفة لم يمت، بل خُلد في قصائده، وفي كل بيتٍ شعريٍّ فيه كبرياء وصدق وحرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

5

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة