لماذا يدافع المحامى عن تجار المخدرات؟ المحامي بين العدالة والاتهام:
لماذا يدافع المحامى عن تجار المخدرات؟ المحامي بين العدالة والاتهام
يُثار في الأوساط العامة تساؤل متكرر: **لماذا يدافع المحامي عن تجار المخدرات أو المتهمين في قضايا خطيرة، رغم علمه أنهم قد يكونون مذنبين؟**
سؤال يبدو في ظاهره أخلاقيًا، لكنه في جوهره **يمسّ صميم فكرة العدالة وسيادة القانون**، ويكشف عن سوء فهم لطبيعة مهنة المحاماة ولدور الدفاع في حماية **حقوق الإنسان والحرية الشخصية**.
المحامي لا يدافع عن الجريمة بل عن القانون
المحامي لا يدافع عن الجريمة ولا عن مرتكبيها، بل عن **مبدأ العدالة ذاته**. فجوهر مهنته ليس تبرئة المذنب، وإنما **ضمان محاكمة عادلة** تقوم على إجراءات صحيحة وأدلة قانونية مشروعة.
إن كل متهم – مهما كانت التهمة – **يظل بريئًا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي**، وهذه القاعدة الذهبية ليست مجرد عبارة قانونية، بل هي **ضمانة إنسانية** ضد الظلم والتعسف وسوء استعمال السلطة.
فحين يقف المحامي إلى جانب متهم في قضية مخدرات مثلًا، فإنه لا يبرر فعل الاتجار أو الحيازة، وإنما **يتأكد من أن القبض والتفتيش والإجراءات تمت وفقًا للقانون**، وأن الدولة لم تتجاوز حدود سلطتها في المساس بحرية الأفراد. ولو أن هذه الرقابة غابت، لتحولت العدالة إلى سيف مسلط على رقاب الجميع.
الدفاع عن الحقوق لا عن الأشخاص
التمييز الجوهري الذي يغيب عن الكثيرين هو أن المحامي لا يدافع عن **شخص المتهم**، بل عن **حقه في محاكمة عادلة**.
فالدفاع في القضايا الجنائية ليس تواطؤًا مع الجريمة، وإنما **ضمانة قانونية للمجتمع بأسره**، لأن انتهاك حقوق متهم واحد قد يفتح الباب لانتهاك حقوق الجميع.
وقد عبّر الفقيه الفرنسي "فولتير" عن هذه الفكرة حين قال: *"قد أختلف معك في كل ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد."*
وبالمعنى نفسه، قد يعلم المحامي أن موكله مذنب، لكنه **لا يملك أن يحكم عليه**، فذلك دور القضاء وحده، بينما يظل دوره هو **تحقيق التوازن بين الاتهام والدفاع**، وضمان أن يسير القانون في مساره الصحيح.
المحامي كحارس على الحرية الشخصية
المحامي في جوهر رسالته هو **حارس للحرية الشخصية** التي نص عليها الدستور، فهو الذي يذكّر القضاء والنيابة وأجهزة الضبط بأن حرمة الجسد مصونة، وأن **القبض والتفتيش لا يجوزان إلا بإذن قضائي أو في حالات التلبس الحقيقية**.
وبهذا المعنى، يصبح الدفاع عن متهم في قضية مخدرات – أو غيرها – دفاعًا عن مبدأ **“لا عقوبة إلا وفق قانون”**، لا عن جريمة أو متهم بعينه.
وقد أكدت محكمة النقض المصرية مرارًا أن *“بطلان الإجراءات لا يعني براءة المتهم من الجريمة فحسب، بل يعني أن الدولة لم تحترم القانون”*.
ومن هنا، يصبح دور المحامي هو **ضمان احترام الدولة لقواعدها**، لأن العدالة لا تتحقق بإدانة المذنب فقط، بل **بأن تكون الإدانة نتيجة إجراءات صحيحة وعادلة**.
مهنة المحاماة والبعد الإنساني
إن مهنة المحاماة هي **الوجه الإنساني للقانون**. فالمحامي يرى في كل متهم إنسانًا يملك كرامة وحقوقًا لا تزول حتى في لحظة الاتهام.
وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته العاشرة على أن *“لكل إنسان الحق في محاكمة علنية عادلة تُكفل له فيها ضمانات الدفاع.”*
من هنا، يصبح الدفاع واجبًا أخلاقيًا قبل أن يكون واجبًا قانونيًا، لأن **العدالة الحقيقية لا تُقام على أنقاض إنسان مهان أو حق منتهك**.
العدالة لا تتجزأ
حين يدافع المحامي عن متهم في قضية رأي عام أو جريمة خطيرة، فهو **يحمي مبدأ العدالة الشامل** الذي يشمل الجميع: البريء والمذنب، القوي والضعيف.
فإذا جاز انتهاك حقوق متهم مكروه لدى الناس اليوم، **فقد يأتي غدًا دور بريء يُتهم ظلمًا ولا يجد من يدافع عنه**.
إن العدالة لا تُقاس بالعاطفة، بل بالقانون. والمحامي حين يتمسك بالقواعد الدستورية والإجرائية، فهو في الحقيقة **يدافع عن المجتمع بأسره ضد الظلم التعسفي**، لا عن شخص متهم بعينه.
رأي قانوني أكاديمي
يُعلّق الدكتور *(أ.د. حسام البدري – أستاذ القانون العام وحقوق الإنسان بجامعة القاهرة)* على دور المحامي في القضايا الجنائية قائلًا:
"إن المحامي حين يتصدى للدفاع عن متهم في قضية مخدرات أو أي قضية تمس الأمن العام، فهو لا يحمي الجريمة بل يحمي **مبدأ سيادة القانون**. فاحترام حقوق المتهمين ليس ترفًا قانونيًا، بل هو **جوهر العدالة الدستورية** التي لا تستقيم إلا بضمان محاكمة عادلة وإجراءات مشروعة. إن العدالة التي تُبنى على انتهاك الحرية الشخصية تُصبح ظلمًا مقنّعًا مهما حسُنت نوايا القائمين عليها."
ويضيف الخبير القانوني:
"مهمة المحامي لا تقتصر على الدفاع عن موكله، بل تمتد إلى **الدفاع عن القيم الدستورية ذاتها**، فهو الحارس الذي يذكّر الجميع بأن الحرية لا تُقاس ببراءة شخص أو إدانته، بل بقدرة الدولة على احترام حقوقه حتى وهو في أضعف حالاته. ولهذا، تبقى المحاماة مهنة الضمير الحي، وصوت القانون في وجه السلطة."
خاتمة
في النهاية، يجب أن ندرك أن **المحامي ليس خصمًا للمجتمع بل شريك في تحقيق العدالة**.
فهو يقف على خط الدفاع الأول عن الكرامة الإنسانية، ويمنع أن تتحول سلطة الدولة إلى أداة قهر.
ودفاعه عن متهم في قضية مخدرات لا يعني تأييد الجريمة، بل **تأكيدًا أن العدالة لا تكتمل إلا بميزان متوازن بين الاتهام والدفاع، وبين سلطة الدولة وحقوق المواطن**.
فالمحامي حين يرفع صوته في قاعة المحكمة مدافعًا عن حرية شخص مكبّل، إنما **يدافع في الوقت ذاته عن حرية كل إنسان.
وهكذا تبقى مهنة المحاماة ليست مهنة من لا مهنة له، بل **رسالة مقدسة في صون الحق والحرية والكرامة الإنسانية.
