العقل ما أكرم الله به العباد وضده الهوى.
وشكل العقل اليقين، والعقل من العاقل.
صور العقل
الصورة الأولى : هو بمثابة عقد المؤمن بين الإيمان وبين الكفر ، ضده الهوى وهو عقد الكافر بين كفره وبين أن يؤمن، لقول الله تعالى: (يحول بين المرء وقلبه) .
يقول يحول بين المؤمن وبين أن يكفر، وبين الكافر وبين أن يؤمن، لأن الله تعالى خلقك، وهداك، وعرفك بوحدانيته، حتى عرفت أنه واحد لا شريك له.
الصورة الثانية : العقل أيضا عقد بين الطاعة والمعصية، فيعقد ويفتح: فحيث يكون العقد بين الخوف والتفكر حيث الإيمان والكفر يكون بين الحفظ والعاقبة كذلك حيث الطاعة والمعصية.
لذا فأول ما يشككه الشيطان للإنسان هي المعصية. فحيث يغفر العبد عن هذا فيشككه الشيطان حتى يقع في الذنوب، وعلى الرغم لم يذهب ذلك العقل؛ لأنه لا يرضى بقلبه المعصية لله، وإنما يرضى بقلبه لأجل نهمة-حيز - النفس، حتى غفل عن عاقبة الذل والوان.
الصورة الثالثة : يكون أيضاً عقداً بين بدعة المبتدع وبين سنة السني، فيعقد ويفتح فحيث يكون العقد في الخوف والحفظ والتفكر لعاقبته، يكون في السنة البدعة.
فإن مما يشكك الشيطان فيه الإنسان- السنة- حتى يوقعه في البدعة، فإذا أوقعه في البدعة هانت عليه ترك السنة .
الصورة الرابعة : ويكون العقل أيضا بين زهد الزاهد وبين رغبة الراغب، فيعقد ويفتح، فحيث يكون العبد في الخوف والحفظ والتفكر لعاقبة الحساب الشديد، يكون في الحبس عن الجنة، والتقصير في الدرجة، وسؤال الله إياه من أين اكتَسَبْت، وفي ماذا أنفقت، وماذا أردت به.
فيكون بهذا شككه الشيطان حتى يوقعه في الرغبة في الدنيا.
فهذا تفسير العقل.
مراتب العقل

وإن للعقل مراتب :
أولا : مرتبة الفهم - الفهم عن الله - فإن الفهم يكون بثلاثة أشياء: أوّلا: بفراغة القلب، والثاني: بالتضرّع بينه وبين الله حتى يفهمه، والثالث: بالمطارحة والمناظرة والمذاكرة مع من يفهم أمر الدارين، ولا يفهمه إلاَّ البصراء؛ حتى يكون فهماً.
شكل الفهم : البصر، وضد الفهم الوهم.
وللفاهم ثلاث علامات: أولهما: أنه معصوم من التّهلُكة، لأن الفهم يحفظه، والثاني: لا يغضب لأنه يفهم أصل كلّ شيء، ويتفكر بفهمه في عاقبته، والثالث: لا يتعجب من أمر الله، لأنه يفهم أن الله قادر على أن يفعل كلّ شيء.
وثلاثة أشياء من فعال الفهم، أولهما: تفنن الكلام، لأنه يفهم في الدقائق، والثاني بصير بالحجة، والثالث: مشغول بأحكام أمر البدن.
ثانيا مرتبة البصر - الاستبصار - : البصر من البصير.
- سمات اوخصائص مرتبة البصر: يكون بسبعة أشياء:
- أحدهما: يخبر بعلم الاختلاف والموافقة بمتابعة الموافقة والحجة لا بمتابعة الخلاف،
- والثاني: يعلم المحكم والمتشابه بمتابعة المحكم لا بمتابعة المتشابه،
- والثالث يعرف الناسخ من المنسوخ بمتابعة الناسخ لا بمتابعة المنسوخ،
- والرابع: يفهم الحكم من الأحاديث والأدب والتخويف والتغليظ حتى يميز بعضها عن بعض،
- والخامس: يبصر السنة والبدعة بمتابعة السنة لا بمتابعة البدعة،
- والسادس: يعقل الجماعة في الفرقة بمتابعة الجماعة لا بمتابعة الفرقة،
- والسابع: يفقه الحجة والداحضة لأن النجاة يوم القيامة تكون بالحجة لقول الله تعالى: (هاتوا برهانكم) ولا يقول هاتوا رجالكم، فلذلك ينبغي للمتعلم ألاّ يتعلم العلم من العالم إلا بالحجة، ولا يقبله من غير حجة.
والبصر والمعرفة شكل، وضد البصر العصيان.
والبصر له ثلاث علامات تبعا لصاحبه :
- أوله: يحب المداراة لأن المداراة جنة لإظهار ما يُعْلم ويبصر فيه،
- والثاني: يحب المواساة لأن المواساة ترق القلب،
- والثالث: يحب المعافاة وبالمعافاة يزيد في حب الجماعة.
وثلاثة أشياء من أفعال البصير:
- أولها: ألاّ يدع أمر دينه في أحد لأنه بصير بعيوب الناس،
- والثاني: شحيح بأمر دينه لأنه يبصر أن ترك أمر دينه أشد عليه من قطع لحمه وإهراق دمه؛ فلذلك يكون مشفقاً على أمر دينه،
- والثالث: لا يكون طامعاً فيما في أيدي الناس، لأنه يذكر بقلبه أن من طمع فيما في أيدي الناس يفسد قلبه، ولا يصيب البصير إلا بمتابعة العلم بالحجة والبصر في اختلاف الأمة، حتى يُعلم الناسخ والمنسوخ والمخالطة مع العلماء.
ثالثا :مرتبة المعرفة-معرفة االله - :وقال البصر والمعرفة واليقين شكل، وضد المعرفة النكرة، وتفسير المعرفة تصديق راسخ كما قال الله تعالى في كتابه: (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ، فالمعرفة تصديق القلب بإقرار اللسان، فكل إنسان عرف الله عرفه الله بتعريفه، حتى يعرف العارف حقيقة الله، وحقيقة ما بتعريفه إيَّاه، والبصير الله بصره بتبصيره، حتى يبصر للبصير وهو العبد بتبصير مبصره وهو الله إياه ، وليس للخلق فيه تكلُّف ولا مقدرة، والفهم كذلك واليقين، لأنهما لا يكونان إلاّ بفعل الله تعالى.
رابعا: رابع مراتب العقل : مرتبة الفقه :
والفقه من الفقيه يكون بثلاثة أشياء: أولهما: بالمناظرة والمذاكرة، والثاني: بالمدارسة، والثالث: بفهم حجّة الأحكام أن يعلم أنه ليس حكم ولا مسألة ولا كلمة حق إلا لها حجة.
وثلاثة أشياء من علامات الفقيه:
- أولهما: أن يكون آيساً من الخلق لأن الفقه يُقنعه ويُغنيه عن الناس،
- والثاني: يحب المخالطة مع الذين يتكلمون بالفقه حتى يزداد له كلّ يوم فقهاً في أمر الدين،
- والثالث: لا يخاف أن يتكلم في السّر والعلنية لأن الفقيه يُعينه على تهذيب الكلام وتزيينه.
وثلاثة أشياء من فعال الفقيه:
- أولهما: أن يتكلم في أمر الدين في الحلال والحرام، حتى يوضح للناس بيان الحق من الباطل،
- والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقوله تعالى: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) .
- والثالث: يتكلم بالفتيا والقضاء بين الناس، ولا يصيب الفقيه الفقه إلا بالتذكرة والمناظرة مع الفقهاء والبصراء في أمر الدين.