الغناء والموسيقى في الجاهلية وفي الإسلام

الغناء والموسيقى في الجاهلية وفي الإسلام

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الغناء والموسيقى في الجاهلية وفي الإسلام


ربما كان منشأ الغناء والموسيقى من أن الإنسان الأول البديهي كان يسمع أغاريد الطيور، وهمسات الغابات، وأنين الزوابع، وحفيف الأشجار، وخرير الماء، وتلاطم الأمواج.

كان يسمع كل هذه الأصوات الطبيعية فيهتز إما طرباً، وإما خوفاً، إذ تنتشي نفسه وتبتهج لبعض هذه الأصوات، ويخاف ويقشعرُّ من البعض الآخر، ... وككان لا بد مع مرور الزمن من التفكير في مخاطبتها بلغتها ومحاكاة أصواتها، فنشأت الموسيقى الأولى، وجاءت الطقوس السحرية التي ما لبثت أن تطورت إلى معتقدات ثم أديان . فالموسيقى، التي تطورت فيما بعد إلى غناءٍ راقٍ، نشأت أول ما نشأت في أحضان الدين، واتخذت وسيلة تقرب العابدين إلى تلك القوى الغامضة، التي كان الإنسان البدائي يعتقد أنها تسيطر عليه، ويتزلف بهذا الفن إليها، محاولاً تجنب سخطها، وبذلك كان الدافع الأول لخلق الأعمال الفنية، كالغناء وغيره.

folkculturebh.org/ar/ind...

والغناء الديني عند عرب الجاهلية واضح، فهم كانوا يقدسون الكعبة والأوثان القائمة فيها، والكعبات الأخرى التي أقاموها في غير مكة، والأنصاب والصخور والأشجار، حيث كانت آلهتهم، على زعمهم تقيم. كانوا يعكفون عليها ويطوفون بها ويرقصون حولها، ويغنون لها ويهللون ويلبون، ثم ينحرون الذبائح ويقدمونها قرابين للآلهة. وغناء الحرب كان ارتجازاً بالشعر أو أناشيد حماسية يؤديها المحاربون جماعة، أو تغنيها النسوة من ورائهم ليبثثن روح الحماسة والشجاعة في المقاتلين.

وغى وغى وغى وغى  *** حرّ الحرارُ والتظى

يا حبذا يا حبذا           *** المحلّقون بالضحى

أنواع الغناء القديم:

قال ابن رشيق القيرواني في كتاب العمدة: غناء العرب قديماً على ثلاثة أوجه:

1-     النّصب: ويقرب منه الحداء- وهذا الضرب، فيما يظهر، هو الذي تنوح به النوائح في المراثي.

2-     والسّناد: وهو ضرب وصفه ابن رشيق بأنه الثقيل ذو التراجيع، الكثير النغمات والنبرات، وهو على ست طرائق: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرمل وخفيفه.

3-     ثم الهزج: وهو فيما يبدو من أقوالهم: أنغام خفيفة راقصة، كان يصاحبها العزف والضرب بآلات الموسيقى المختلفة، فتُطرب وتستخف الحُلوم.

أول المغنين:

قال ابن رشيق : إن أول من أخذ في ترجيعه الحداء: مضر بن نزار، فإنه سقط عن جمل، فانكسرت يده، فحملوه وهو يقول: وايداه وايداه. وكان أحسن خلق الله صوتاً. فأصغت الإبل إليه وجدَّت في السير. فجعلت العرب مثالاً لقوله: " ها يداه ها يداه" يحدون به الإبل.

على أنَّ ابن الطحّان ، يرى أن الرواة والروايات قد " اتَّفقت على أن أول من غنّى في الجاهلية جنجور، وقيل: علس ذو جدن، وبعدهما: علقمة الفحل، وجذيمة ابن سعد وهو المصطلق، والمصطلق هو الحسن الحلق، وربيعة بن حرام"، ثم النضر بن الحارث وغيره.

من غنّى من النساء في الجاهلية:

أما أول من غنى في الجاهلية من النساء، فهما الجرادتان، وكانتا قينتين لمعاوية بن بكر مع عهد عاد. وفي كتاب حاوي الفنون لابن الطحان، باب خاص يعدد فيه أول من غنى من النساء في الجاهلية. فيذكر بالتتابع:

image about الغناء والموسيقى في الجاهلية وفي الإسلام

" بعاد وثماد: كانتا في زمان عاد الكبرى، وخبرهما معروف ، فمن غنائهما:

يا أم عثمان نوّلينا  *** قد ينفعُ النائلُ الطفيفُ

وبعدهما: عنجهور.

وبعدهما: قينتا حذيفة بن بدر.

وبعدهما: قينتا الحارث بن زهير.

وبعدهما: وهرام قينة خالد بن قيس.

وبعدهما: هند وفرتنا، قينتا حجر بن الحارث.

وقيان يزيد بن عبدالمدان.

وقينة عبد عمرو بن بشر.

وكانت بالمدينة قينة يقال لها: أم عمرو، ولها ييقول عمرو بن عدي:

تصد الكأس عنا أم عمروٍ *** وكان الكأسُ مجراها اليمينا

ومن القيان: جرادتا عبدالله بن جدعان: ظبية والرباب.

وقينتا الحضرمي: سيرين وصاحبتها.

وأسماء وعثمة وقتل وبوهة: قيان عبدالله بن مقيس بن  عدي بن سهم، وقيان جبلة بن الأيهم، لحقن بالإسلام، ومن غنائهن شعر حسان بن ثابت:

بيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابهمْ *** سُمُّ الأنوفِ من الطراز الأولِ

وقينة الأسود بن المطلب.

وسارة: قينة عمرو بن هاشم.

وقينة الأوسيين.

وقينة الأنصاري.

وقينتا عبدالله بن السائب المخزومي، وهما صاحبتا الخبر المعروف في الشارفين، اللذين عقرهما حمزة بن عبدالمطلب.

وقُرَيْبة وفرتنا وحميدة: جواري عبدالله بن سلام.

والفارعة وسعاد: قينتا السيصاب.

image about الغناء والموسيقى في الجاهلية وفي الإسلام

اختراع الآلات الموسيقية:

يروكي ابن عبد ربه ، أنه يقال: إن أول من صنع العود: لامك بن قابيل بن آدم، وبكى به على ولده. ويذكر المسعودي ، نقلاً عن ابن خرداذبة، أن أول من اتخذ  العود: لامك بن متوشلخ بن محويل بن عباد بن خنوخ بن قاين بن آدم ... واتخذ نوبل بن لمك الطبول والدفوف، وعملت ضلال بنت لملك المعازف، ثم اتخذ قوم لوط الطنابير. ولكن حاجي خليفة يذهب إلى أن " الجمهور قد اتفق على أن واضع هذا الفن هو فيتاغورس ، من تلامذة سليمان عليه السلام ، وضعه عن ضرب الحدادين بالمطارق ... واخترع إحدى آلات الموسيقى ، ثم تبعه أرسططاليس، فوضع الأرغون وهو آلة لليونان".

الغناء راحة وتسلية للجاهلي:

كان الجاهلي يعبر في غنائه عما يجيش في نفسه، فيفسِّح عنها ما يضطرم فيها من لواعج وأحاسيس، فيجد فيه راحة من عناء، وتسلية عن همّ، وفرجاً لكرب، وعوناً له على أن يمضي فيما اعتاد من شؤون حياته: يترنَّم به إذا عمل، ويحدو به إبله إذا ساقها، ويرقص به ابنه إذا خلا إلى أهله، ويكون منه الرجز والحداء والنصب .. 

نشأة الغناء بعد الجاهلية:

وكان العرب في العصر الجاهلي يهتمون بالشعر أكثر من أي فن آخر، ولا يخفى أن الشعر مادة الغناء، ولكن الغناء الجاهلي لم يكن مبنياً على قواعد فنية، بل كان مسايراً للطبيعة، ولم تكن له علامات موسيقية (نوته).

ولما تحضر العرب بعد الإسلام، واختلطوا بأمم العالم، أخذوا عن كل أمة أحسن ما عندها من علم وفن وفلسفة، كما أخذت تلك الأمم عن العرب الدين واللغة والسجايا العربية الحميدة، وبهذا الامتزاج تكونت الحضارة العربية الإسلامية.

وفي بداية تكوين الدولة الإسلامية، كان العرب مهتمين بالفتوح وبتوطيد أركان الملك، فلم يهتموا كثيرا بالفنون عدا الشعر. ولكنهم بمجرد أن توطدت دولتهم اهتموا بالفنون ومنها الغناء. فقد نشأ الغناء العربي أول ما نشأ في المدينة المنورة، كما نشأ المغنون الأول فيها أيضا في النصف الثاني من القرن الأول الهجري.

وقد اختار إبراهيم الموصلي وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء، وهم أساتذة الغناء في القرن الثاني الهجري، اختاروا للرشيد مائة صوت (لحن) من عيون الشعر العربي، وهذا دفع الكاتب ا لمشهور أبا الفرج الأصفهاني إلى تأليف كتاب الأغاني، فكان كله في الغناء والمغنين، وكل ما يتصل بذلك من أدب وفن وتاريخ …

تدوين الغناء:

وكان أول من ألف في الغناء عند العرب يونس بن سليمان، الكاتب الذي أخذ الغناء عن معبد، وتبعه كثيرون كالخليل بن أحمد الذي ألف كتاباً في الموسيقى، حصر فيه أنواع الألحان، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي الذي ألف كتباً مثعجبه في الغناء والمغنين، وصنع الغناء بعلمٍ فاضلٍ وحذقٍ راجحٍ ووزنٍ صحيح، ويحيى بن أبي منصور الموصلي الذي ألف كتاباً في الأغاني، وآخر في العود والملاهي، وإبراهيم بن المهدي الذي ألف كتاباً سماه كتاب الغناء، وبذل المغنية التي ألفت كتابا في الأغاني يشتمل على اثني عشر ألف لحن، ويحيى بن مرزوق المكي الذي ألف كتابا يشتمل أيضا على اثني عشر ألف لحن، وأهداه إلى محمد بن عبدالله بن طاهر، فوصله بثلاثين ألف درهم، وعبيد الله بن عبدالله بن طاهر الذي ألف كتاباً دعاه: الآداب الرفيعة في النغم وعلل الأغاني، وأمير المؤمنين عبدالله بن المعتز الذي ألف كتابا سماه: الجامع في الغناء، وغير هؤلاء كثيرون، لكن لم يصلنا من هذه الكتب غير كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني الذي يُعتبر من أجل كتب هذا الفن.

آلات الغناء:

أما آلات الغناء فكثيرة تختلف باختلاف الأمم، فمنها العود، والقانون الذي اخترعه الفارابي الفيلسوف، والدف، والمزهر، والطبل، والمزامير، والشبابات، والرباب، والصلاصل، والطنابير، والطارات، والكوبة، والروطة، والمؤنس، والكثيرة، والقيثار، والزنامى، والشقرة، والنورة، والبوق، والبربط، والأرغن، والبيانو..

صنعة الخلفاء وأولادهم في الغناء:

وكانت للغناء منزلة عظيمة عند الخلفاء، حتى اشتغل به غير واحد منهم ومن أولادهم وأولاد أولادهم.

فقد حكى ابن خرداذبة أن عمر بن الخطاب تغنى ببيت من الشعر أوله: " كأن راكبها غصن بمروحة" ، ودونت لعمر بن عبدالعزيز صنعة في الغناء في سبعة ألحان، يذكر فيها سعاد.

تأثير الغناء:

ولا شك أن للغناء تأثيرا على النفس عظيما. قال أفلاطون: " من حزن فليستمع الأصوات الطيبة، فإن النفس إذا حزنت خمد نورها، فإذا سمعت ما يطربها، اشتعل منها ما خمد".

وقال الغزالي في " الإحياء" :" لله سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح، حتى أنها لتؤثر فيها تأثيرا عجيباً. فمن الأصوات ما يفرح، ومنها ما ينوم، ومنها ما يضحك ويطرب، ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس، ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر، بل هذا جار في الأوتار حتى قيل: من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج، وكيف يكون ذلك لفهم المعنى، وتأثيره مشاهد في الصبي في مهده، فإنه يسكنه الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه.

والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره، ويولهه، فترى الجمال إذا طالت عليها البوادي، واعتراها الإعياء والكلال تحت المحامل والأحمال، إذا سمعت منادي الحداء، تمد أعناقها، وتصغي إلى الحادي ناصبة آذانها تسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها، وربما تتلف أنفسها من شدة السير وثقل الحمل، وهي لا تشعر به لنشاطها، ثم ذكر دليلا على ما قاله قصة العبد الذي أهلك الجمال بطيب صوته، إذ جعلها تقطع مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

316

متابعهم

606

متابعهم

6665

مقالات مشابة
-