
حنين بن إسحاق العبادي
حنين بن إسحاق العبادي
ولد في مدينة الحيرة بالعراق سنة 809م والحيرة مدينة آرامية قديمة تقع في جنوب الكوفة . أسست عام 240 ق.م. وكان أهل الحيرة من النصارى النساطرة ولهم فيها ديارات ومدارس.. ودخلتها النصرانية منذ الأجيال الأولى ، ثم صارت قبل الإسلام عاصمة المناذرة .
ونشأ حنين كآل بيته نصرانيا نسطوريا. وينتسب حنين إلى العباديين (بكسر العين)، وهم من قبائل العرب اجتمعت بظاهرة الحيرة، واعتنقت الدين المسيحي، وسموا أنفسهم بالعباد.
ولا نعلم عن أسرة حنين شيئاً إلا أن والده إسحاق كان صيدليا يبيع الأعشاب والعطور. وقد نمى هذا العمل في نف س حنين ميلا إلى دراسة الطب. ومن المرجح أن لقدوم الأطباء إلى بلاط الخلفاء إذ ذاك، وذيوع صيتهم نصيبا في بعض هذا الميل أيضا. ويظهر من سيرة حنين أنه تلقى تعليما دينيا جيدا في الحيرة فقد وصل فيما بعد إلى رتبة الشماسية.
ويعد حنين من أعظم الشخصيات التي تقابل الباحث في الحديث عن نقل التراث الييوناني والسرياني إلى اللغة العربية وترجمته.
وقد حظي بترجمات عديدة ومطولة في الكتب العربية المؤرخة للعلوم. ومن خلال هذه الترجمات والرسالة القيمة الت يكتبها نفسه إلى علي بن يحيى " في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس بعلمه وبعض ما لم يترجم" .
وانتقل حنين إلى بغداد التي كانت عاصمة الخلافة العباسية وملتقى العلماء في جميع أصناف العلوم والثقافة. وعمره اثنتي عشرة سنة. والتحق في حلقة يوحنا بن ماسويه الطبيب والمترجم المسيحي القادم من جند يسابور . وكانت حلقة هذا الطبيب من أكبر حلقات العلم في بغداد.

وكان ماسويه والد يوحنا كحالا في جند يسابور فكسد عمله، وانطلق إلى بغداد في وقت كان فيه جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس طبيب الرشيد الخاص. وقد قدم في سنة 175هـ إلى البرامكة. وكان بين جبرائيل وماسويه معرفة فاشتهر ماسويه في قصة طويلة نقل بعدها أهل بيته وأولاده من جنديسابور وفيهم يوحنا وهو صغير فتعلم واشتهر في بغداد.
إن حنيناً لم يتلق بيوحنا في جند يسابور، بل في بغداد. ولكن بقاء حنين بن إسحاق في حلقة يوحنا بن ماسويه لم يدم طويلا؛ فقد كان حنين مغرما بالمناقشة والسؤال وكان يوحنا مشهورا بالانفعال السريع وسرعة الغضب، حتى إنه ليروى عنه النوادر في هذا. ولم يكن يحب كثرة السؤال والمناقشة . قال ييوسف بن إبراهيم الطبيب:" كنت أعهد حنين بن إسحاق الترجمان يقرأ على يوحنا بن ماسويه كتاب (فرق الطب) الموسوم باللسان الرومي والسرياني بهراسيس .
ويذكر ابن جلجل أن حنينا تعلم اليونانية بالإسكندرية. ويشير حنين فيي رسالته إلى أنه قد زار الإسكندرية، ولكن لم يحدد زمن ذلك. ويحدد القفطي وأبو الفرج ابن العبري هذا المكان بأنه بلد الروم، وأنه قضى فيه سنتين حتى أحكم اللغة اليونانية.
وبعد إتقان حنين لليونانية دخل بغداد عائدا، وأن يوسف بن إبراهيم رأه في ذلك الوقت للمرة الثانية، ثم نهض من بغداد ووجه نحو البصرة، ودرس العربية على علماء اللغة والنحو هناك. ولا نعرف بالتحديد من هو شيخه بالعربية.
وبعد فراغ حنين من التعلم في جنوب العراق، توجه إلى بغداد مرة أخرى، سنة 826م وكان مترجما قد حذق اللغة وأجادها.
وعند دخول حنين بن إسحاق إلى بغداد اتصل بجبرائيل بن بختيشوع الطبيب المسيحي الخاص بالمأمون 833م ودخل في معيته.
وبالإضافة إلى الترجمة فقد كان حنين يصحح بعض النصوص ويحققها ويعلق على بعض الكتب باللغة اليونانية أحياناً، ويقابلها مع نصوص أخرى للتوثيق.
وقد عاش حنين بن إسحاق عمره كله (194هـ/ 260م) في خدمة العلم والمعرفة فكان "معظماً مكرما في زمانه مشارا إليه في هذا الشأن إلى أن توفي ..." وقضى حياته التي قاربت سبعين سنة في عمل علمي دؤوب "... فكان يترجم كثيراً، ويؤلف كثيراً، وكان أحياناً يضع الشروح لما ترجم... وعلى الجملة فقد كان حركة علمية قل أن تبارى..." ونستطيع بكل ثقة أن نعد حنين بن إسحاق أحسن من أجاد اللغة اليونانية، وخدم الترجمة، ونقل الثقافة في تلك الأزمنة.