
ما هو الإنجيل ؟
الإنجيل المقدس: كتاب الحياة والإيمان
يُعَدّ الإنجيل المقدس الكتاب الأقدس في الديانة المسيحية، وهو كلمة الله الموحى بها للإنسان ليكون نوراً وهادياً في درب الحياة. كلمة "إنجيل" في أصلها اليوناني تعني "البشارة السارة" أو "الأخبار المفرحة"، وهي بالفعل بشارة الخلاص والفداء التي أعلنها المسيح يسوع للعالم أجمع. ويحتل الإنجيل مكانة محورية في حياة المؤمنين، إذ يُعَبِّر عن حضور الله في التاريخ، ويوضح مقاصده تجاه الإنسان، ويدعو البشرية كلها إلى الإيمان والمحبة والسلام.
تكوين الإنجيل المقدس
يتكون الكتاب المقدس من قسمين رئيسيين: العهد القديم والعهد الجديد.
العهد القديم يضم الأسفار التي كُتبت قبل ميلاد السيد المسيح، ويحتوي على التوراة (أسفار موسى الخمسة) والكتب التاريخية والشعرية والنبوية. وهو يُظهِر علاقة الله مع شعبه منذ الخلق وحتى انتظار المخلّص.
العهد الجديد يبدأ بالبشائر الأربعة: متى، مرقس، لوقا، ويوحنا، وهي تسجل حياة المسيح وتعاليمه ومعجزاته وآلامه وقيامته. يليه سفر أعمال الرسل الذي يروي بداية الكنيسة وانتشار رسالة الإنجيل، ثم الرسائل الرسولية التي توضح العقائد والإرشادات الروحية، وأخيراً سفر الرؤيا الذي يكشف عن رجاء المؤمنين في مجيء المسيح الثاني.
هذا البناء المتكامل يجعل الإنجيل المقدس كتاباً تاريخياً وروحياً في آن واحد، إذ يجمع بين رواية الأحداث التاريخية وبين التعليم الإلهي العميق.
رسالة الإنجيل
الرسالة الأساسية التي يحملها الإنجيل هي أن الله محبة، وأنه أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح لخلاص العالم. فالمسيح بتجسده وصلبه وقيامته فتح باب الغفران والحياة الجديدة لكل من يؤمن به. ومن هنا نجد أن الإنجيل ليس مجرد كتاب يُقرأ للمعرفة، بل هو رسالة حيّة تهدف إلى تغيير القلب وتقديس الحياة.
كما أن الإنجيل يركّز على قيم إنسانية سامية مثل الرحمة، العدل، التسامح، خدمة الآخرين، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين. وقد ضرب المسيح بنفسه أعظم الأمثلة في تواضعه ومحبته للخطأة والمرضى والمهمشين.
دور الإنجيل في حياة المؤمنين
المسيحيون يعتبرون الإنجيل المقدس غذاءً روحياً يومياً، فهو مصدر للصلاة والتأمل، ودليل عملي لمواجهة تحديات الحياة. يقرأه المؤمن في أوقات الفرح ليستزيد من الشكر، وفي أوقات الضيق ليجد التعزية والرجاء. وهو أيضاً المرجع الأول في الحياة الكنسية والتعليمية، حيث يُقرأ في القداسات والصلوات الجماعية، وتُبنى عليه العقيدة والتقاليد الروحية.
وقد لعب الإنجيل دوراً محورياً في تشكيل الحضارة الإنسانية. فهو ألهم الفنون والآداب والموسيقى، وأسهم في صياغة القوانين التي تقوم على العدل والكرامة الإنسانية. كما كان له أثر كبير في تعزيز قيم الرحمة والسلام بين الشعوب.
ترجمة الإنجيل وانتشاره
منذ القرون الأولى، سعى المسيحيون إلى ترجمة الإنجيل إلى مختلف لغات العالم. فبعد أن كُتب أصلاً باليونانية والعبرية والآرامية، تُرجم لاحقاً إلى اللاتينية ثم إلى لغات الشعوب الأوروبية والشرقية. واليوم يُعتَبر الإنجيل أكثر كتاب تُرجم في تاريخ البشرية، إذ وُجدت ترجمات له بآلاف اللغات واللهجات، ما يؤكد عالميته وقدرته على مخاطبة كل إنسان أينما كان.
الإنجيل والحياة المعاصرة
رغم مرور نحو ألفي عام على كتابته، ما زال الإنجيل يتمتع براهنيّة كبيرة. وتعاليمه عن المحبة والغفران والسلام تلبي احتياجات العالم المعاصر المليء بالصراعات والحروب. والعودة إلى الإنجيل تعني العودة إلى الأسس الإنسانية والروحية التي يمكن أن تعيد للإنسان كرامته وللمجتمع توازنه.