قصيدة حديث الصمت للشاعر الدكتور جمال دغيدي
قد تأتى على الإنسان لحظة ، يهرب فيها من الدنيا بفتنتها إلى الصمت بحكمته .
حديثُ الصـمت
شعر جمال دغيدي
أَتيْتُكِ يا حياةَ الصْمتِ مشـتاقا
أتيْتُكِ حامـلاً للسُـؤْلِ أوراقا
سأبترُ يا بليغةُ رأْسَ أسـئلتي
وصَبركِ إِنْ جهلتُ فمعجمي ضاقا
* * *
أأعبثُ في مضاجعِها كمخمورِ؟
وينْقـرُ عِقْـدهَا الفتَّانَ عصفوري
أخادعُها ؟ أأقدرُ أخـدعُ الدنيا ؟
ويسْكرُ من كئوسِ اللهـوِ مقـدوري
* * *
تبالغُ في تبرّجِها ، وفى الطيْشِ
تعاودني وقد أُرهقْتُ من عيشي
وعن نفسي تراودُني بإلحاحٍ
فأفحصُها فإنّي رابضٌ جأْشِي
* * *
أُحدِّق في مفاتنِها كَمَنْ تاقا
وأتركُ وجهَها لأقلِّبَ الساقا
وأَحذرُ ذْيلَ إغـراءٍ وأَعْيُنهُ
فيا كمْ يقتلُ الثعبانُ من لاقَى
* * *
ورحتُ أُمزّقُ الثوِْبَ الذي يُغرِى
فأبصرتُ الفنـاءَ بقلبهِ يسـرِى
فجئْتُكِ – لاجئاً – دنيايَ مِنْ زيفِ
فآويني بصمتكِ ، ضمِّديِ فِكْرِى
* * *
مللتُ بمرأةٍ في حُسـنها الزائفْ
مللتُ خداعَها ، تيّارها الجارفْ
مللتُ بهمسِها المكبوتِ في غـدْرٍ
مللتُ بريقَ عْينيها ، سناً خاطفْ
* * *
فجال الصمتُ في قلمي وإِلهامي
وراحَ يصبُّ ما يُروىَ بهِ الظامي
لأمتصَّ الحقيقةَ علْقماً مُـرَّا
( سيذبلُ ما ظننا البُرْعمَ النامي )
* * *
أمَا ولَّى الأولي جاءوا فما بُهْنَا
وما تركوا لَدَيْنا دوننا رهْنا
أَنبدأُ سيْرَنا بطريقِ من فُتِنوا
ويَتْبُعنا رهائننا وقد تُهنا
* * *
أَيغترُّ الذي ضيئتْ زواياهُ ؟
يجورُ بظُلْمهِ وسلاحهُ الجاهُ
وأيامُ الحياةِ قذائفُ تُلْقَى
تُفجِّرُ مَنْ تقـابلُ ثُمَّ ننساهُ
* * *
فمَنْ أَعطى الحياةَ حبائلَ التيهِ
لترفعَهُ بأُفْقٍ كان يبغيهِ
تَسَاقطَ بغتةً مِنْ فوْقهِ يوماً
فكَمْ قبْـرٍ يدكُّ عظامَ بانيهِ
* * *
على الصمتِ الذي دوَّى كبركانِ
أنا أحيـا فمَنْ منْكمْ ليحياني
هي الدنيا بأثوابٍ تزيِّنُها
فكُنْ يَقِظاً ، تعالَ ، فجسمُها فانِ