بين التوقع والواقع فى الجامعات
الحياة الجامعية بين التوقع والواقع
بقلم / نهال عبد المعبود
يقولون إن الجامعة هي أجمل سنوات العمر، وأنها مرحلة سهلة مليئة بالحيوية والرفاهية والحرية، وأن النجاح فيها مضمون بمجرد الالتحاق بها. ولكنهم ينسون إخبارك بأنها الأكثر إرباكاً أيضاً؛ فالحياة الجامعية تحمل في طياتها تحديات فكرية، نفسية، واجتماعية، وصراعات أكاديمية، بالإضافة إلى مسؤوليات جسيمة لا يدركها البعض إلا بعد خوض التجربة.
صدمة الواقع
الحرية في الجامعة ليست رفاهية مطلقة، بل اختبار حقيقي للنضج. فمن لا يُحسن استغلال وقته، قد يجد نفسه متأخراً دراسياً أو فاقداً للحافز. هنا يتعلم الطالب أن الحرية تقترن دائماً بالمسؤولية؛ حيث يجد نفسه وسط منافسة شديدة، وامتحانات متلاحقة، ومتطلبات بحث علمي تختلف جذرياً عن الصورة الرومانسية التي رسمها في مخيلته. كما يصطدم بحقيقة أن الاعتماد الأكبر يكون على الذات؛ فهو مطالب بتنظيم وقته، والبحث بنفسه، وفهم المقررات دون متابعة يومية دقيقة من الأساتذة الجامعيين.
ضغوطات غير مرئية
لا تقتصر صعوبات الجامعة على المذاكرة، بل تمتد إلى ضغوط نفسية كالقلق من سوق العمل والمقارنة بالآخرين. في الجامعة لا توجد "ملازم" ملخصة لكل شيء، بل أنت من يصنع منهجه. النجاح هنا ليس في حفظ المعلومة، بل في القدرة على البحث عنها وإدارة الوقت بين المحاضرات والأنشطة. ومن هنا يدرك الطالب أن التميز لا يعني التفوق الأكاديمي فحسب، بل في اكتشاف الذات وبناء شبكة علاقات حقيقية.
رسالة إلى الآباء: الوعى قبل الدفع
وهنا يجب أن نلتفت إلى دور الأهل؛ فالكثير من الآباء يظنون خطأً أن دورهم ينتهي بمجرد دفع الرسوم وتوفير المستلزمات، معتبرين الجامعة فترة ترفيهية "للاستراحة" قبل معترك العمل. لكن الحقيقة أن ابنكم يمر بأصعب مراحل التكوين النفسي؛ لذا عليكم إدراك أن الجامعة مسؤولية مضاعفة، وتحتاج منكم الدعم المعنوي لا الضغط الأكاديمي المستمر. لا تنظروا لنتائجهم كأرقام فقط، بل قدروا الجهد المبذول في التكيف مع نظام يعتمد كلياً على الاستقلالية، وكونوا الملاذ الآمن الذي يستوعب تخبطاتهم في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
نصائح عمليه لردم الفجوة
لكي لا يغرق الطالب في بحر التوقعات الوردية، عليه أن يبدأ رحلته بخطوات واعية تضمن له التوازن. أولاً، إدارة الوقت هي المفتاح؛ فالفراغ الكبير ليس وقتاً ضائعاً، بل هو فرصة للبحث وممارسة الهوايات. ثانياً، يجب الانخراط في الأنشطة الطلابية، فهي المختبر الحقيقي لتطوير مهارات القيادة والتواصل. وأخيراً، لا تتردد في طلب الدعم؛ فالاعتراف بالارتباك في البداية هو أول خطوة نحو الاستقرار والنجاح.
خلاصة التجربة
أرى أن الجامعة مرحلة أساسية في تكوين الشخصية؛ فهي تعلم الاعتماد على النفس، واتخاذ القرار، وتوسّع المدارك الفكرية والاجتماعية. ومن الضروري تقليص الفجوة بين الخيال والواقع عبر تطوير المناهج وتعزيز الدعم النفسي.
في النهاية، الدراسة الجامعية ليست رحلة سهلة، لكنها تجربة ثرية تصنع الإنسان قبل أن تمنحه الشهادة.
والآن شاركنا برأيك.. في ظل الفجوة بين التوقع والواقع، ما هو التحدي الأكبر الذي تنتظره في رحلتك؟ وهل تعتقد أن قيمة الجامعة تكمن في محتواها الأكاديمي أم في التجارب التي تصقل شخصيتك؟
