خلقنا الله كُرماء فمن أنتم لتجعلونا حُقراء؟

خلقنا الله كُرماء فمن أنتم لتجعلونا حُقراء؟

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

خلقنا الله كُرماء فمن أنتم لتجعلونا حُقراء؟

على ضفة صخرةٍ كساها الدماء، تحت سماءٍ حزينة محملةٍ بالغيوم والهموم، توقفت الطيور فيها عن التغريد معلنة حدادها  واختفت الحيوانات من ما يفعله البشر، وبين نسمات الهواء المُحمل برائحة الشهداء والعِبرة المخنوقة، يحدق شابان بعضهما البعض بنظرة حسرة وضياع بلا روح وبلا هوية وبلا وطن، أحدهما فلسطيني والأخر سوداني، يغمر ملامحهما مشيب رغم الصِغر واختزال قهرٍ يفيض يكاد يقتلع عينيهما، وتصرخ قلوبهما متألمةً رُغم ثباتهما، ما جمعهما على تلك الصخرة هو شعور الانكسار والعجز وانتهاك الكرامة التي ولدنا بها كُرماء من الله متسائلين من هؤلاء ليدنسوها ويسلبوها ليحولونا حُقراء؟

القاسم المشترك بينهما أنهما الباقيان الوحيدان، متفرجان عاجزان عن الفعل؛ دُمرت أحلامهما ومُحيت، وقُصفت طفولتهما، وودّعا أسرتيهما، ومُزقت ألعابهما، وأصبح الخيال محاصراً بالوحشية وحدها، وكُتب عليهما انتهاء الحياة قبل أن تبدأ.

يمسك كل منهما بيد الأخر بقوة وكأن كل منهما طوق نجاة للأخر بشعور الغارق المُتمسك في كومة قش لا حول لها ولا قوة، لم يصبحا في حاجةٍ للمساعدة فكل من طلبها قد رحل شهيداً، لقد خذلهما العالم لكنهم لم يلقوا اللوم على ذلك، بل ألقوا اللوم على قساوة القلوب وموت الضمير، جمود القلب وقساوته وثباته رغم كل اهتزازات القصف، رغم اهتزاز صرخات استغاثة ملئت السماء وحجبت الغيوم وسافرت عبرها وصولاً لشتى بِقاع الأرض، ألقت اللوم على الإنسانية التي جُردت والتي لطالما تعلمنا أنها جزء لا يتجزأ منا وفينا.

image about خلقنا الله كُرماء فمن أنتم لتجعلونا حُقراء؟

إنّ يقينهم بأن الله يرى ويشهد على كل ما حدث هو فتيل الأمل الوحيد المتبقي لديهم في هذه الحياة، وثقتهم التامة أنه حينما يَحين سـ تلين.

هناك قصة نشرتها شبكة الجزيرة الإعلامية لأسرة عاشوا الفاجعة مرتين وشتتهما الألم وكان هو سيد الموقف، سمية السودانية وزوجها الفلسطيني لم يجدا منفذاً للفرار، بحزن عميق تروي سمية إبراهيم قصتها بين حربين أجبرتهم  على خوض رحلة نزوح داخلي في عزة من جهة لأخرى ومعاناة عاشوها و عدم استقرار دائم، ومواجهة صعوبات لا حصر لها، وفي لحظة لم تستطع سمية حبس دموعها فكل دمعة كانت تنزف تحمل قصة من الوجع الذي ال يوصف، وهي تقول إنها تعيش بين نارين: حرب في السودان وحرب في غزة، وتتمنى انتهاء هذا الكابوس لتعود إلى السودان حيث تركت إحدى بناتها هناك، لتحظى برؤية أحفادها.

تختتم سمية حديثها بالدعوات لانتهاء هذه الحرب القاسية وفتح المعابر ليتسنى لها أن تجمع  شمل عائلتها من جديد.

سمية قصتها ليست مجرد قصة بل هي صرخة للإنسانية، ويظل ما عاشوه تجسيداً لأعلى درجات الصمود  البشري في مواجهة أقسى وأعنف الظروف، متشبتين في الأمل لأخر لحظة ومؤمنين أن الليل مهما طال عتمته فالفجر قادم.

نسأل الله أن ينصر أهلنا في السودان وفلسطين.

كتبته: شيماء حسن جمال.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
شيماء حسن جمال تقييم 5 من 5.
المقالات

9

متابعهم

9

متابعهم

17

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.