
تطور علم الجغرافيا
تطور علم الجغرافيا

الجغرافيا علم قديم تطور على مر العصور تطورا مذهلا - فالغاية من الجغرافيا كانت وصف ما على سطح الأرض وهذا ما عنته كلمة “ جغرافيا” وهي لفظة يونانية مركبة ومعناها “صورة الأرض”.
وهناك معنى آخر للجغرافيا والذي لا بد منه في كل بحث جغرافي أنه يشتمل على دراسة جميع ما يؤثر في مظاهر الأرض وما يتأثر بها أي أن غايته معرفة ما على سطح الأرض معرفة علمية سليمة.
فالجغرافيا حسب المفهوم الجديد لا تتوخى وصف الظواهر وذكر الأماكن وتعداد الأنواع بل تحرص على إيضاح القوانين والمبادئ العامة في الأمور الكلية التي تتأثر بها المظاهر الجغرافية .
وهذا العلم يستعين بجميع العلوم الأخرى لتبيان العلاقات بين تلك المظاهر الجغرافية.
مساهمة الأمم القديمة والحديثة في تطور علم الجغرافيا:
يظهر أن الجغرافيا ضرورية لطبيعة الحياة البشرية إذ أن غايتها الأولية تثبيت أوصاف الأماكن المختلفة في ذهن الإنسان وتعيين مواقعها وتبيين مدى علاقة بعضها ببعض .
فالشعوب البدائية في مختلف العصور تهمهم هذه المعرفة الجغرافية لما لهذه المعرفة من مساس بمعاشها وحياتها، ولذلك الأمم المتمدنة تحرص على توسيع معرفتها الجغرافية وتثبيت المعرفة بالمخططات والمصورات المجسمة، وقد ظهر هذا العلم معتمدا على المخططات في بداية الأمر ثم ظهرت الجغرافيا الرياضية وغايتها الأولى معرفة شكل الأرض وأبعادها وحركتها، ثم ظهرت الجغرافيا الاقتصادية والبشرية والسياسية والطبيعية.
وأول من ساهم من الأمم القديمة في إعطاء المعرفة الجغرافية مظهرا علميا هم المصريون الذين ارتقت لديهم العلوم الرياضية والفلكية والذين قالوا بكروية الأرض وعلموها في مدارسهم وأرسلوا البعثات العلمية الجغرافية تجوب أقطار العالم للتأكد من صحة ما وصلوا إلى معرفته عن طريق الرياضيات وعلم الفلك ولمعرفة الأصقاع النائية.
وآخر البعثات الجغرافية كما يظهر من تاريخ مصر القديمة كانت عام 600 ق.م إذ أرسل ملك مصر “ نيخاو”أسطولاً إلى المحيط الهندي عن طريق البحر الأحمر فدار هذا الأسطول حول إفريقيا وعاد من مضيق جبل طارق بعد ثلاث سنوات من مسيره من مصر - وقد أكد رجال هذه البعثة “ أن الشمس كانت إلى الشمال مدة قسم من سفرهم ” وفي هذا دليل على أنهم عبروا خط الاستواء وساروا في جنوبه، وعلى يد المصريين نمت المعرفة العلمية الجغرافية ومن مدارسهم تخرج أقدم علماء اليونان في هذا التخصص.
ثم عقب الفينيقيون فنجحوا في توسيع المعرفة الجغرافية توسيعا عمليا فقد تعرفوا على سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وسواحل أوروبا الغربية وإفريقيا الغربية وبلغوا في رحلاتهم الجزر البريطانية وبلاد القفقاس والحبشة والهند والصين.
وفي القرن السادس ق.م كان القارطاجيون يجوبون البحر الأبيض المتوسط وسواحل إفريقيا الغربية ولم تصلنا عن هذه الرحلات إلا التفاصيل الدقيقة لسفرة القائد البحري “ حنون” القارطاجي الذي عبر مضيق جبل طارق بستين سفينة وتتبع ساحل إفريقيا الغربي حتى وصل إلى ساحل الكاميرون وكانت الغاية من هذه السفرة الدوران حول إفريقيا ولكنها لم تتم، وليس من دليل على تقدم المعرفة الجغرافية تقدما علميا بفضل الفينيقيين أو القارطاجيين.
أما الإغريق فبالرغم من خدمتهم للفلسفة وللفن ولبعض العلوم فإن الجغرافيا رجعت على أيديهم في المضمارين العلمي والعملي، فهم لم يعلموا من أحوال آسيا الشرقية وإفريقيا الوسطى والجنوبية وأوروبا الشمالية شيئا يستحق الذكر، كما أن هيردودوت لم يصدق رواية الدوران حول إفريقيا ولا وجود نصف كرة جنوبي للأرض حسبما جاء في أخبار بعثة الملك “ نيخاو” عام (600 ق.م).
وبالرغم من أن العالم اليوناني “ إيراتوستين” قد تخرج من مدرسة الإسكندرية في النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد، ورغم أن مدارس مصر القديمة كانت تقول بكروية الأرض فإن هذا العالم لم يهتم بالأشياء الأصيلة والعظيمة في علم الجغرافيا وهي خط الاستواء والقطبان والمدارن بل بنى جغرافيته على خط عرض يمر من جميع الأماكن التي كان يبلغ أطول نهار فيها أربع عشرة ساعة ونصف الساعة فكان هذا الخط يمتد من رأس “ سان فنسان” في إسبانيا فيجتاز في “ ثينا” وهي مدينة يزعم اليونان أنها على سواحل المحيط الشرقي في أقصى أطراف الأرض.
المرجع:
المدخل لدراسة الجغرافيا الطبيعية ، تأليف الدكتور صلاح الدين عمر باشا، عمر الحكيم، أديب باغ، مطبعة جامعة دمشق، 1963م.