بطل حييّنا .. الوجه الأخر للنِعم المنسية
بطل حييّنا .. الوجه الأخر للنِعم المنسية
أمُر كل صباحٍ على عامل حييّنا العظيم ، تظهر على ملامحه كِفاح حرب يعيشها مع الأيام ، يقطن هو و أسرته في كوخ خشبي صغير متهالك ضعيف يتخلله الضوء من كل مكان ، لا يبتعد كثيراً عن منازل الحي ، لكن على الأقل يحتمون فيه من قسوة برودة الشتاء وحرارة الشمس الحارقة.
يستيقظ فجراً ساعياً عن قوت يومه له هو وأسرته ليبدأ عمله والتي هو المرور على منازل الحي ، برفقة سيارةٍ صغيرةٍ حديديةً ذات يدين يكسوهما الصدأ وثلاث عجلات دافعاً إياها لتساعده في نقل الأكياس وصولاً للمكان المخصص لفرزها ، والتي هو يقع بجانب كوخه مباشرةً .
عملية الفرز تتطلب صبراً ووقتاً كبيراً وتأخذ عدة مراحل تبدأ بالجمع ثم البحث لأخذ كل ما هو مفيد قد يستفيد منه سواءً بالاستخدام أو البيع والتخلص من كل ما لا جدوى منه في حاويةٍ بجانب ممنطقة الفرز أيضاً .
ذات يوم استجمعت شجاعتي واتجهت إليه بعد مراقبة استمرت أكثر من عام بشكل شبه يومي ، اقتربت نحوه معرفةً بنفسي أولاً ثم طلبت الإذن منه فيما يخص تصويره لعلي أستطيع مساعدته يوماً ما ، ليبادر بالقبول هو وأسرته على الفور دون تردد، حينها راودني الكثير من الكلمات والاسئلة لكنها كانت متخبطةً بعضها في بعض ، لذلك اكتفيت أن أخبره أن مهنته عظيمة ولا يكاد سكان الحي يتصورون العيش دون دوره العظيم.
يواصل هذا البطل عمله وأبدأ أنا في عملي وتصويره بإظهار كامل التفاصيل وأنا مستمتعة رغم صعوبة المكان من شكل ورائحة فأكياس القمامة تملىء المكان ، إلا أني لوهلة لم أشعر بكل ما حولي وانغمست في زوايا التصوير لإبراز عظمة عمله ، تاركةً كتبي ونظارتي الشمسية مع زوجته التي استقبلتني بسعة صدر وابتسامة ، ولكن فجأة ..
في أثناء تصويري تظهر قطة صغيرة في إحدى زوايا صورتي ، لقد أضفت للصورة طابعاً خلاّب لم أكن أتوقعه لكن ليس هذا كل ما في الأمر ، لأنه وفجأة ..
اقترب منها بطلنا ليمد لها قطعة طعام صغيرة ويظل قريباً منها ، مشهد لدقائق معدودة أظهرت فيه مدى نقاء قلبه وكرمه رغم فقره ، فقد صدقت عبارة : الفقراء هم الكرماء فقط ينقصهم المال ،مانراه أنه برغم قساوة الأيام عليه لكنه و بمجرد رؤيته لما هو أضعف منه باحثاً تماماً مثله عن لقمة عيشه، لم يبخل بل مد يد العون ولو بأخر لقمة في يده .
يُنهي هو عمله عائداً لكوخه الصغير ليغمض عيناه غارقاً في تفكير عميق وفي صباح اليوم التالي يُعيد نفس الكَره دافعاً سيارته الصغيرة أمامه وتاركاً ألامه وحزنه خلفه ، باحثاً عن قوت يومه هو وأسرته.
ختاماً الانغماس في النِعم يُفقدنا حلاوتها يجعلنا نشعر وكأنها حق واجب لكن حينما نُصفع على وجهنا بفقدانها نفيق من غفلتنا ويعود لنا الشعور بقيمتها ،فأحياناً لا نستحقها ويوجد من هم أحق منا بها ،وتذكر أن ما نظنه فائض عن حاجتنا هو الحاجة الأساسية التي لا يملكها غيرنا .