
القمامة العربية المتحدة.. سر الاجتماعات الفارغة

القمامة العربية المتحدة: قمم على الورق وأزمات على الأرض
منذ عقود، والعالم العربي يعرف ظاهرة اسمها "القمة العربية". يجتمع فيها القادة والرؤساء والملوك، يلقون خطبًا طويلة أمام عدسات الكاميرات، يتبادلون العناق والابتسامات، ثم يخرجون ببيانات يصفونها بـ"التاريخية". لكن ما أن يُطوى الملف، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه وكأن شيئًا لم يحدث. ولهذا لم يعد مستغربًا أن يسخر الكثيرون ويطلقوا عليها اسم "القمامة العربية المتحدة" بدل "القمة العربية المتحدة"، لأنها ببساطة لا تنتج إلا أوراقًا مصيرها الطبيعي سلة المهملات.
خطابات بلا مضمون
ما يميز هذه القمم هو التشابه الممل. نفس الخطابات تتكرر منذ الستينيات: دعم للقضية الفلسطينية، تأكيد على المصير العربي المشترك، الدعوة إلى السلام، ومواجهة التحديات الاقتصادية. لكن كل هذه الكلمات تبقى مجرد صدى في القاعة، لا أثر لها في الواقع. ففلسطين ما زالت أسيرة الاحتلال، الشعوب ما زالت تغرق في البطالة والفساد، والحروب لا تزال مشتعلة بين الأشقاء قبل الأعداء.

وحدة شكلية لا غير
البيانات الختامية دائمًا تتحدث عن "الوحدة العربية"، لكن هذه الوحدة لم تتجسد يومًا على الأرض. الحدود مغلقة، التأشيرات معقدة، والاقتصادات منفصلة. المواطن العربي يحتاج أحيانًا أكثر جهدًا ليسافر إلى بلد عربي شقيق، مما يحتاجه ليزور دولة أوروبية. فأي وحدة هذه التي تبقى مجرد شعارات على ورق دون خطوات عملية حقيقية؟
مسرحية بتكلفة باهظة
كل قمة تتحول إلى مهرجان إعلامي ضخم، تُصرف فيه ملايين الدولارات من أموال الشعوب على الفنادق الفخمة، المآدب الباذخة، والوفود الكبيرة. القادة يجلسون في القاعات المكيّفة يتحدثون عن الفقر والتنمية، بينما المواطن العادي يكافح لتأمين لقمة العيش. إنها مسرحية باهظة الثمن، أبطالها الزعماء، وكومبارسها الوزراء والمستشارون، وجمهورها الصامت هو الشعوب التي لا يُسمح لها إلا بالمشاهدة.

نتائج غائبة وقرارات منسية
عدد القمم التي انعقدت منذ تأسيس الجامعة العربية كبير جدًا، لكن هل يذكر أحد قرارًا واحدًا غيّر واقع الأمة؟ القرارات تبقى مجرد حبر على ورق، سرعان ما تُطوى في الملفات وتُنسى. القادة يعلنون التضامن في العلن، لكنهم يمارسون العكس في الخفاء: دعم صراعات، تمويل حروب بالوكالة، ومناكفات دبلوماسية لا تنتهي.
الشعوب بين الأمل واليأس
المؤسف أن الشعوب العربية ما زالت تُمنّى بالأمل في كل قمة جديدة، لكنها تصطدم بالواقع بعد أيام قليلة. لم يعد المواطن يثق في هذه الاجتماعات، بل يرى فيها مناسبة للتصوير والبروتوكول فقط. ولهذا صار اسم "القمامة العربية المتحدة" أقرب إلى الحقيقة من "القمة العربية المتحدة".
نحو قمة حقيقية أم قمامة جديدة؟
لكي تتحول القمم إلى فعل حقيقي، لا بد أن تخرج من دائرة الخطابات إلى دائرة القرارات التنفيذية: فتح الحدود، تسهيل حركة الشعوب، إنشاء مشاريع اقتصادية مشتركة، والدفاع فعلاً عن القضايا المصيرية. أما إذا ظل الوضع على ما هو عليه، فستبقى القمم مجرد قمامة سياسية يتراكم غبارها مع الزمن.
🔹 الخلاصة: القمم العربية اليوم ليست سوى انعكاس لواقع سياسي مأزوم. وإذا لم تتغير من مجرد بيانات شكلية إلى مشاريع ملموسة تخدم المواطن، فسيظل اسمها المناسب فعلًا هو القمامة العربية المتحدة، لا أكثر ولا أقل.