
المغرب اليوم: أمل مشوه وسقف العدالة المهدور

بين حلم التغيير وخيبة الواقع: قصة أجيال مغربية تبحث عن العدالة
في ربيع 2011، حين ارتفعت أصوات الشباب في شوارع المغرب، كان المشهد مفعماً بالأمل. حركة 20 فبراير لم تكن سوى صرخة حضارية تطالب بالحرية والعدالة والكرامة. خرج الناس بصدور عارية، يرفعون لافتات سلمية، يطرقون أبواب الإصلاح بأحلام بسيطة: دستور يفتح أفقاً جديداً، مؤسسات قوية، وسياسات تنحاز للفقير والمهمش. غير أن تلك الوعود سرعان ما تحوّلت إلى خيبات متلاحقة.
لقد تحوّل الحلم إلى محطة عابرة، إذ وُوجهت المطالب الشعبية بترقيعات محدودة لم تلامس جوهر الأزمة. ومن رحم هذا الإحباط، خرج حراك الريف بعد سنوات قليلة، ليس بدافع الترف السياسي، بل بدافع الجوع والبطالة وغياب المرافق الصحية والتعليمية في مناطق منكوبة بالتهميش. كانت شعارات الحراك واضحة: "نريد مستشفى، نريد جامعة، نريد حياة كريمة".

لكن الإجابة الرسمية لم تكن إصغاءً ولا إصلاحاً، بل جداراً عالياً من القمع. محاكمات ماراثونية، أحكام قاسية وصلت لعقود من السجن، وتفتيت للأحلام التي آمن بها جيل كامل. عشرات الشباب قضوا زهرة عمرهم خلف القضبان، وآلاف آخرون دفعوا ثمن المطاردة أو الهجرة القسرية. البعض ابتلعهم البحر، والبعض اختار الصمت كوسيلة للبقاء.
هكذا وُلدت مرارة مضاعفة: مرارة من ضاع عمره داخل السجون، ومرارة من فقد ثقته في وعود الإصلاح. والنتيجة أن جرحاً عميقاً صار يسكن وجدان المواطن المغربي: جرح الإحساس بأن السلمية لا تُكافأ، وأن المطالب العادلة قد تتحوّل إلى تهمة.
لكن الحقيقة أن الغضب الشعبي ليس لعنة، بل طاقة كامنة يمكن أن تكون طريقاً للتغيير إذا وُجّهت بحكمة. المطلوب ليس العنف ولا الانتقام، بل بناء قوة مدنية سلمية، متماسكة، تعرف كيف توثّق الانتهاكات، كيف تحشد الرأي العام، وكيف تدفع المجتمع الدولي لمتابعة قضايا المعتقلين السياسيين. الغضب وحده يصرخ، أما التنظيم فيصنع الفرق.
إنّ الاستقرار الحقيقي لا يولد من الخوف ولا من القبضة الأمنية، بل من مصالحة شجاعة مع الشعب. لا دولة قوية بلا عدالة، ولا سلم اجتماعي بلا كرامة. الإفراج عن معتقلي الرأي، فتح تحقيقات نزيهة في الشكاوى، وإطلاق مشاريع تنموية في المناطق المنسية، ليست تنازلات بل هي استثمار في مستقبل الوطن.

المغرب اليوم يقف أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في دورة الإحباط والقمع، وإما اختيار طريق الإصلاح الجاد الذي يردّ الاعتبار للمواطن. أجيال كاملة تنتظر، تحلم، وتراقب. إنهم لا يريدون أكثر من وطن يحترمهم، دستور يضمن حقوقهم، وحكومة ترى في المواطن ثروة لا عبئاً.
الخلاصة أن الشعب المغربي لا ينقصه الصبر ولا الرغبة في البناء، لكنه سئم أن يُلدغ من الجحر مراراً. وإذا كان الماضي قد شهد إجهاض أحلام كثيرة، فإن المستقبل لا يحتمل تكرار السيناريو نفسه. الرحيل عن منطق القمع والاستبداد ليس مجرد خيار، بل ضرورة، لأن لا أمن ولا أمان يُبنى على الخوف، وإنما على العدل.