مريم الأسطرلابي.. عالمة الفلك التي أنارت سماء العلوم الإسلامية

مريم الأسطرلابي.. عالمة الفلك التي أنارت سماء العلوم الإسلامية

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

ملامح من حياتها

ولدت مريم بنت محمد العجلي الأسطرلابي في مدينة حلب بسوريا خلال القرن العاشر الميلادي (العصر العباسي)، في بيئة علمية مزدهرة كان فيها العلماء والمترجمون ينشطون في نقل العلوم من اليونانية والفارسية إلى العربية. نشأت في أسرة عُرفت باهتمامها بالفلك وصناعة الآلات العلمية، حيث كان والدها محمد بن عبد الله العجلي من أمهر صانعي الأسطرلابات.

تلقت مريم تعليمها في بيتها على يد والدها، وتعلمت علوم الرياضيات والهندسة والفلك، ثم تخصصت في صناعة الأسطرلاب وصيانته وتطويره. وما لبثت أن اشتهرت بذكائها الفذ ودقتها المتناهية، حتى أصبحت من أبرز علماء عصرها في هذا المجال.

الأسطرلاب.. الحاسوب الأول في التاريخ

الأسطرلاب هو أداة فلكية معقدة صُممت لقياس مواقع النجوم والكواكب، ومعرفة الوقت، وتحديد اتجاه القبلة، واستخدامات أخرى في الملاحة والرحلات. يمكن القول إنه كان بمثابة "الكمبيوتر المحمول" في العصور الوسطى.

قدّم العلماء المسلمون إضافات كبيرة على هذه الآلة، لكن مريم الأسطرلابي قامت بخطوة نوعية جديدة، إذ طورت تصميمه بدقة أكبر وجعلته أكثر سهولة في الاستعمال، مما زاد من أهميته العملية عند الفلكيين والرحالة والبحارة وحتى رجال الدين الذين كانوا يستخدمونه لتحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة.

إنجازات مريم الأسطرلابي

تطوير الأسطرلاب: ابتكرت تصميمًا محسّنًا للأسطرلاب جعله أكثر دقة وفعالية، الأمر الذي ساعد على استخدامه في مختلف مجالات الحياة اليومية.

خدمة علم الفلك: من خلال أعمالها، ساعدت العلماء على دراسة حركة الأجرام السماوية بدقة، وهو ما ساهم لاحقًا في تمهيد الطريق أمام الاكتشافات الأوروبية في عصر النهضة.

إسهامها في علوم الملاحة: مكّن تطويرها للأسطرلاب البحارة من الإبحار لمسافات طويلة عبر البحار والمحيطات معتمدين على مواقع النجوم.

نموذج للمرأة العالمة: برهنت مريم أن المرأة المسلمة قادرة على التفوق في العلوم الدقيقة، في وقتٍ كانت فيه مشاركة النساء في هذه المجالات محدودة عالميًا.

أثرها في التاريخ العلمي

أصبح اسم مريم الأسطرلابي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الأسطرلاب، وقد أقر المؤرخون الغربيون بدورها الكبير في تطوير هذه الأداة. وفي كتابات بعض المستشرقين، وُصفت بأنها من أوائل المهندسات في التاريخ.

ويُذكر أن المستكشفين الأوروبيين في القرن الخامس عشر الميلادي كانوا يعتمدون على الأسطرلابات المطورة في العالم الإسلامي خلال رحلاتهم البحرية الكبرى، ومنها رحلات كولومبوس وماجلان. أي أن بصمة مريم لم تقتصر على العالم الإسلامي فحسب، بل امتدت آثارها إلى حضارات أخرى.

مريم الأسطرلابي في الذاكرة المعاصرة

لم ينس العالم إنجازاتها، فبعد أكثر من ألف عام، تم تخليد اسمها في وكالة ناسا الفضائية التي أطلقت اسمها على أحد الأقمار الصناعية تكريمًا لها. كما أن سيرتها تُدرّس اليوم كنموذج مشرف للمرأة العالمة التي ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية.

هذا التكريم يعكس حقيقة أن العلوم لا تعرف حدودًا زمنية أو جغرافية، وأن جهود العلماء المسلمين، رجالًا ونساءً، ما زالت حاضرة في قلب الحضارة الحديثة.

دروس من سيرة مريم الأسطرلابيimage about مريم الأسطرلابي.. عالمة الفلك التي أنارت سماء العلوم الإسلامية

العلم ميراث خالد: ما تركته مريم من إنجازات دليل على أن العلم هو الإرث الحقيقي الذي يخلّد الإنسان بعد رحيله.

قيمة المرأة في بناء الحضارة: كسرت مريم الصورة النمطية عن المرأة في عصرها، وأثبتت أن العقل لا يميز بين رجل وامرأة.

التكامل بين الأجيال: نشأت على يد والد عالم، ثم أكملت مسيرته وأضافت إليها، مما يدل على أهمية التربية العلمية داخل الأسرة.

خاتمة

لقد كتبت مريم الأسطرلابي اسمها بحروف من نور في سجل العلماء المسلمين، وأثبتت أن المرأة كانت وما زالت شريكًا أصيلًا في مسيرة التقدم العلمي. إبداعها في تطوير الأسطرلاب جعلها رمزًا من رموز الحضارة الإسلامية التي أنارت طريق الإنسانية، وما تكريم وكالة ناسا لاسمها إلا شهادة حديثة على عظمة إنجازها. إن سيرتها دعوة مفتوحة لنا جميعًا، رجالًا ونساءً، لنحمل مشعل العلم ونواصل مسيرة البناء، لأن الحضارات تُبنى على عقول مبدعة وقلوب مؤمنة بأن العلم رسالة إنسانية سامية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

8

متابعهم

15

متابعهم

1

مقالات مشابة
-