د.عبدالكريم موسي ,, أديب من طراز خاص

د.عبدالكريم موسي ,, أديب من طراز خاص

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

في حياة الأمم تظهر أحياناً شخصيات تبدو كأنها وُلدت في مفترق الطرق عقل يشتغل بالواقعية الصارمة

وروح تسلك دروب الأدب كأنها تعرف طريقها منذ البدء. هذا التوتر الجميل بين المنطق والعاطفة، بين السياسة والأدب ، هو ما يمنح بعض التجارب قيمتها وفرادتها. البعض يرهقهم العمل العام فينطفئون، والبعض الأخر القليل يزدادون وهجاً كلما ضاقت عليهم الممرات، لأن في داخلهم واحة سرية لا تصلها ضوضاء العمل العام ولا تعب الحياة.

image about د.عبدالكريم موسي ,, أديب من طراز خاص
د.عبدالكريم موسي

من هذا الطراز برز الدكتور عبد الكريم موسى، ابن السودان الذي حمل بيئته معه أينما حل ، وفتح للكتابة نافذة واسعة تطل على ريف السودان وروحه العاطفية الندية .

من هو الدكتور عبدالكريم موسي ؟

نشأ الدكتور عبد الكريم موسى في مدينة كأس بغرب السودان؛ تلك الرقعة التي تُخرِج رجالاً تتقاطع فيهم الفطرة والصلابة وصفاء الروح. فهو من خريجي جامعة السودان كلية العلوم والتكنلوجيا ( حاليا ) ثم ماجستير العلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم ودكتورة العلاقات الدولية من نفس الأكاديمية .

عمل بمصنع سكر كنانة فترة من الزمن ثم إنتقال إل مجال البترول والذي إستمر فيه حتي ت ترشيحه كتكنوقراط من قِبل لحكومة السودان ليشلعب دوراً مهما في محادثات إتفاقية الدوحة بإعتبارة ابن الغرب وأصحاب المصلحة ومنها تولي العديد من المناصب السيادية في مختلف ربوع البلاد كان أخرها وزير إتحادي لوزارة الشباب والرياضة . ولكن رغم وصفي له  كتكنوقراط سياسي متمرّس ,، غير أنّ اشتغاله بالشأن العام لم يُبعده عن ضوء الإبداع، ولم يطفئ في داخله جمرة الكتابة التي ظلّت تتوهّج في نصوصه كلّما اقترب منها القارئ.

تجربته الأدبية تشبه نافذة مشرّعة على وجدان سوداني واسع؛ وجدان يجمع الريف والمدينة، البادية والحضر، الجبال والسهول، نهر القاش وحقول القضارف، كسلا وتوتيل والبطانة، وحتى صحراء العتمور. نصوصه تعكس حسّاً يلتقط دقائق التفاصيل، فيحوّلها إلى لغة تنبض بالحرارة، بلا تكلّف أو تصنّع، وبقوة شاعر يكتب لأن العالم لا يستقيم بلا كلمة.

في كتاباته العاطفية، يظهر استغراقه في الصورة؛ الفراشة، النوارس، الندى، الربيع، البنفسج، السوسنة… كلها مفردات تتحوّل في يده إلى رموز تتجاوز وصف الطبيعة لتصير إشارات إلى الطمأنينة والرجاء، أو إلى وجع الفراق وجرح الغياب. لا يكتب الحنين كذكرى بعيدة، بل كشيء يتحرك داخل اللحظة، يقترب ويبتعد في الوقت نفسه.

تفيض عباراته بروح سودانية خالصة: سخرية خفيفة، رهافة عالية، ولغة تُمسك بالمشهد حتى يُخيّل للقارئ أنه يشمّ رائحة النال القضارفي أو يسمع خرير المطر فوق قطاطي البطانة.

وعند حديثه عن الأمكنة – كسلا، الوادي العشار، القضارف – يتبدّى قدرة سردية متينة. الأمكنة عنده ليست جغرافيا، بل كيانات حيّة تستقبل، تودّع، تفرح، وتغضب. يكتبها بروح مُسافر يحمل في قلبه حقيبة صغيرة فيها النغمة الأولى للدهشة.

بجانب الأدب ، يظهر في شوارده ميلٌ واضح للتأمل. يتجوّل في الناس والطبيعة بعيون قارئ يفهم النفس البشرية ويقرأ إشاراتها، حتى وهو يمازح الحلنقي أو يصف “العنبة الرامية فوق البيت”. هذا المزج بين خفة الروح وعمق الشعور يمنح نصوصه ذلك الطابع الذي يرفعها من وصف عابر إلى كتابة متجاوزة لحدود الوظيفة والحياة اليومية.

رغم التجربة السياسية والإدارية الثقيلة، ظلّت الريشة بين أصابعه حيّة. لم تستنزفه السلطة، بل ربّما أمدّته بزاوية نظر أرحب. يكتب وهو يدرك أن اللغة ليست زينة، بل مشروع للإنسان، ومتنفّس للروح، ومساحة يستعيد فيها الفرد صوته بعيداً عن صخب المكاتب.

عند قراءة نصوصه، يتضح أن الدكتور عبد الكريم موسى ليس مجرد سياسي يكتب بحر من بحور الأدب ، ولا شاعر يتجوّل في فضاء السياسة. هو مزيج نادر: رجل دولة يملك جناحاً آخر يرفرف في فضاء الأدب، وكل مقطع كتبه يحمل توقيعاً وجدانياً لا يشبه أحداً.

ختاماً ، يمثل عبد الكريم موسى نموذجاً سودانياً لافتاً: رجل مسؤوليات ثقيلة وقلب منفتح على الدهشة. يكتب مثل من يفتح نافذة للهواء لئلا يختنق العالم، ويترك في كل نص أثراً يشي بأن الروح قادرة على خلق الجمال حتى تحت وطأة الزحام والملفات والتكليفات.

ويظل الدكتور عبدالكريم موسي  شاهد على أن الإبداع يُقاوم الانشغال، وأن من يحمل بداخله هذا القدر من الضوء لا يستطيع إلا أن يجعله يتسرّب إلى الورق.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
وائل البابلي تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

2

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.